مسرح ما بعد الدراما
تمظهرات الجسد الغروتيسكي
في مسرحية "أهل المخابئ"
تأليف: كريم الفحل الشـــرقاوي
بقلم: د. عبد الرحمن بن إبراهيم
- الجسد الغروتيسكي المصطلح والمفهوم
يقترن الغروتيسك بالقبح والتشوه والتقزز والفزع والشذوذ والخارق والخروج عن المألوف. وتعود أصوله إلى حفريات عُثر عليها في القرن الخامس عشر في روما، وتتضمن رسومات بشرية وبشرية متحولة وأنصاف بشرية وكائنات عجائبية وحيوانية ونباتية. ويتجسد على مستوى الخلقة، بحيث تبدو المخلوقات شاذة ومشوهة ومرعبة، وعلى مستوى ما يصدر عنها من أفعل وأقوال قبيحة وعبثية ومبتذلة، وعلى مستوى الأحاسيس التي تبدو خارقة ورهيبة وسريالية. << إن الغروتيسك فن زخرفي يتميز بأشكال بشرية وحيوانية غريبة أو خيالية متناسجة عادة مع رسوم أوراق نباتية، وشيء غريب على نحو بشع أو مضحك، خيالي غريب، متنافر على نحو بشع متسم بالإحالة أو البشاعة، مغاير لكل ما هو طبيعي ومتوقع أو نموذجي.>>[1] إنه الوجه المقنع للإنسان، والصراع الجدلي بين الأنا والآخر. فالآخر المتوارى في المفهوم الغروتيسكي هو الذي يعكس الحقيقة التي يسعى الأنا إلى إخفائها والتستر عليها.
وبناء عليه، فإن "الغروتيسك" يشمل كل ما هو غرائبي وسريالي خارج عن المألوف والمعتاد. ويندرج ضمن التصنيفات الجمالية لكونه يحمل مدلولا فلسفيا يناقض الثقافة التقليدية السائدة، ومدلولا ثوريا لأنه يرفض التأطير ضمن الأطر التشكيلية الجامدة التي تجعل الفعل المسرحي ثابتا في متخيل منغلق ومستقل بذاته. وبذلك، فهو مصطلح ذو بعد جمالي يجعل الفعل المسرحي نصا وعرضا في حالة جدلية مع الواقع من خلال تقديم مشاهد بمناظر سينوغرافية صادمة بهدف خلق صورة/صور مسرحية غير متوقعة وغير منسجمة، وبدلالات متحولة، تنعكس على علاقة الممثل بالمتفرج، وتجعل الفرجة منفلتة وقائمة على وقع الرّجة والصدمة.
عرفت الحضارات والثقافات القديمة الغروتيسك الذي ارتبط بالطقوس الاحتفالية والمعتقدات الدينية في المجتمعات البدائية. وعلى المستوى الفني من خلال الرسومات المنحوتة على الصخر، والمجسمات البشرية والحيوانية في أشكال منفرة ومشوهة مثيرة للفزع والهلع، وللضحك والفكاهة والسخرية أيضا. على المستوى الأنثروبوجي، اقترن الغروتيسك بالكرنفالات الاحتفالية للشعوب التي تستحضر رسوما لآلهة نصف بشرية، وبشرية حيوانية. غير أن العديد من الباحثين يربطون الغروتيسك بالمكتشفات الأثرية في المغارات الإيطالية. <<ففي نهاية القرن الخامس عشر، سلطت بعض الحفريات الأثرية الأضواء على رسوم تمثل كائنات نصف إنسانية ونصف حيوانية أو نباتية. وقد أطلق على هذه الرسوم تسمية "غروتيسك" أو "غروتيسكا" (من الإيطالية "غروتا" Grotta). وخلال القرن السادس عشر، شاع مصطلح "غروتيسك" Grotesque المنحدر من هذه الرسوم. ثم استعمل أولا في الفنون التشكيلية للإشارة إلى اللوحات المشوهة المعالم والعجائبية التي تذكرنا بالرسوم البدائية التي أبدعها "جيروم بوش J. Bosh. بعد ذلك، عرف المصطلح ازدهاره في الأدب حيث ارتبط بحكم دلالته بالتجسيد لكل أنواع التشويه الجسماني مثل الكائنات الحيوانية، والأشكال التي تتمفصل بين حدود ما هو عضوي ولا عضوي، وشذوذات التشويه مثل الأقزام والعمالقة والحدبات، إلخ.>>[2]
ولج الغروتيسك في العصور الحديثة فنون النحت والتشكيل والرواية، والفنون السمعية البصرية كالسينما والمسرح ليجمع المتضادات الثنائية الكوميديا - التراجيديا، الجمال - القبح، النبالة - الحقارة، البطولة – الهزيمة، الطهر - القذارة... ووجد الكُتاب في الغروتيسك أداة لابتداع نصوص إبداعية للتعبير عن الأحداث المروعة بأسلوب مثير للرهبة والفظاعة، وخلق شخصيات صادمة وصدامية مثيرة للانزعاج والاستنكار. وساهم في ازدهارها وانتشارها اللافت في مختلف الإبداعات، اتخاذها تيمات غير مألوفة كفظائع الحروب وحوادث الإجرام وضحايا الكوارث ومأساوية الأوبئة وطاعون الجائحات... من جهة. وموضوعات تخص العواطف الإنسانية للشخص الفرد كالحب والصب والعشق. وبموازاة ذلك، تعري عن هول الأحقاد والضغائن، والرغبات الحارقة في الانتقام، والتلذذ بإلحاق الأذى بالآخرين من خلال رؤية كوميدية سوداوية من جهة أخرى.
بهذا المعنى، فالغروتيسك هو منطلق الممارسة الفنية، مبعث الاستلهام الإبداعي. إنه طقس تراجيكوميدي يجمع بين المتضادات والمتناقضات. <<إنه جوهر من جواهر التخيل البشري، وضرورة من ضرورات الفن، ولمسة من اللمسات الجمالية للدراما. وذلك لأنه خلط بين المكونات المتنافرة واقعيا وتدمير للنظام الطبيعي، وشذوذ حر للصور والأشكال، وتعبير عن تعاقب الابتهاج والامتعاض، بهذا يرتقي الغروتيسك إلى مرتبة الطقس الساخر، والضحك القاتل، والفرح القاتم، والغرابة الجاثمة على العالم في كليته، والواقع في شموليته.>>[3] وقد عرف ازدهاره في الأدب حيث ارتبط بكل أنواع التشويه الجسماني والعضوي، مثلما فعل "شكسبير" <<الذي كان يزخرف مسرحياته بشخوص ممسوخة غريبة كان حضورها يتناقض مع السياق المأساوي العام الذي يدرجون فيه: مثلا "كالبان" Caliban في مسرحية "العاصفة"، و"بوتوم" Bottom الرجل الذي له رأس حمار في مسرحية "حلم ليلة صيف"، ثم الأيدي التي تلعب دور المهجرين في تراجيديات مختلفة.>>[4] كما ورد مصطلح "الغروتيسك" عند الرومانسيين، وازدهر أكثر في مرحلة ما قبل الرومانسية الألمانية التي أعطته <<تأويلا حزينا كما نلمس ذلك في أعمال "هوفمان" Hofmann، و"بونفنتورا" Bonaventura. أما "إدغار آلان بو" E. A. Poe، و"فيكتور هوجو" V. Hugo، فقد استعمل كل منهما مصطلح "غروتيسك"، حيث أورده الأول في عنوان مجلده "حكايات الغروتيسك والعرابيسك" Histoire du grotesque et de l’Arabesque، بينما كتب عنه الثاني في مقدمة مسرحية "كرومويل" Cromwell.>>[5]
- الغروتيسك ملتقى فنون ما بعد الواقع
يتقاطع الغروتيسك مع "السريالية" Le surréalisme التي هي فن "ما فوق الواقع" أو "ما بعد الواقع" في تحدي الواقع والمنطق والمألوف المعتاد من خلال أعمال الخيال وإلهام الأحلام التي تنتاب الإنسان، ويشتركان في اتباع العقل الباطن وتقلباته، وطرق عمله بناءً على أفكار تداعيات اللاوعي. وكلاهما يتبع الأساليب الرمزية واللاشعورية واللاعقلانية في الفن بمختلف أشكاله وأنواعه بما فيه الأدب، ويُسقط القيم الأخلاقية، ويناوئ القيود والأطر المفروضة على الفنون التي تعتمد الواقع والواقعية كمصدر للإلهام والاستيحاء. يدمج الواقع باللاواقع، المنطق باللامنطق، والموضوعي باللاموضوعي من خلال إعمال الخيال وتحريضه، ويطرح الأوضاع الواقعية من دون الدراسة الطبيعية لها، ويرسم الأشياء كما تظهر في الأحلام والرؤى حسب أوضاعها وغموضها، وحسب ما يمليه العقل الباطن في تجاهل تام لرقابة الفكر. وقد شاع هذا التقاطع في <<كل الأجناس الأدبية خلال القرن العشرين: في الشعر (السريالي مثلا) وعلى الخصوص في المسرح "برشت" – "يونسكو" – "بيكت"، حيث يتجلى فيه بحث نظامي للمفعولات الغروتيسكية. وهكذا، نستطيع أن نذكر من بين الكتاب "كافكا" Kafka (الإنسان/الحشرة غريغور سامسا في رواية المسخ La métamorphose) "طوماس مان"Thomas Mann، وعلى الخصوص "غومبروفتش"الذي يعد أكبر مجسد للغروتيسك في هذا القرن لأننا نلحظه في سائر إنتاجاته، بينما لا يعدو لدى الكتاب الآخرين سوى نسق عرضي. إضافة إلى ذلك، يرتبط مفعول الغروتيسك لديه بأوصاف الجسد أكثر من غيره.>>[6]
في مسرحية "أهل المخابئ" نحن بصدد عالم سريالي، فوق واقعي. سعى المؤلف إلى إقحام المتلقي منذ البداية في المتخيل الدرامي من دون سابق إنذار، وتوريطه في أتون عالم عجائبي تسكنه شخوص سريالية بأجساد غروتيسكية، من دون امتلاك فكرة قبلية. وهو ما سوف يلزمه باستنفار طاقته الذهنية للإمساك بمعالم جغرافية الفضاء. <<مخبأ أرضي.. هو جزء من مدن مخبئية.. تشكل عالما مخبئيا يعيش قاطنوه تحت الأرض احتماءً من القصف الذي لا يكاد يخبو سعيره... يتخذ المخبأ شكل مطبخ غرائبي مجهز بمختلف أنواع الأواني والأسلحة المطبخية. في الوسط تجثم طاولة غريبة مفككة يتم تجميعها خلال اجتماعات مجلس المخابئ. في الجهة اليمنى للركح تقبع آنية للطبخ ضخمة جدا. في حين يتدلى من أعلى الركن الأيسر المعتم درج حديدي حلزوني يؤدي إلى سطح الأرض. في الجدران الخلفية تظهر فوهات السراديب والأنفاق المؤدية إلى المخابئ الأخرى.>>[7]
غروتيسكية الشخصيات المسرحية تتبدّى في كونها مشوهة، قبيحة، ومقززة. تعاني من إعاقات شتى، كائنات لغوية، وحقيقتها تكمن في صوتها لأنها مجرد صدى. غياب الشخصية بصفتها الفردية يعني غياب الفعل، وهو ما يتساوق والمسرح ما بعد الدرامي الذي يصير فيه الحدث/الأحداث مجرد "حالة/حالات، ويتحول العرض المسرحي – بالنتيجة - إلى <<"الدينامية المشهدية" في مقابل "الدينامية الدرامية".>> [8] وبفعل هذا التحول ينتقل الفعل المسرحي إلى "مسرح الصور".
<<"النصف": (رجل أصلع. قامته قصيرة جدا. نصفه السفلي مبتور. ينسل من فوهة أحد الأنفاق ممتطيا خشبته الأرضية القصيرة المتزحلقة بواسطة عجلات حديدية صغيرة.)[9]
<<"المندوب": (رجل ضخم كل شيء فيه منتفخ، أشبه بكرة ضخمة برأس ورجلين. يرتدي بزة الطبخ وقبعة عسكرية وحذاء عسكري ويتمنطق بحزام عسكري عريض مطعم بفوهات الرصاص المخترقة بالسكاكين والشوكات والملاعق الذهبية اللامعة.)[10]
<<"ملفوف": في المخبأ الأول الذي تركت فيه جلدي ومسامي وأظافري وشعر رأسي ومؤخرتي.[11]
<<"عجين": (قابع داخل الآنية الضخمة بينما عروس مستلقية فوق طاولة الاجتماعات تتأمل ملامحها ومنبت شعيراتها في مرآتها الصغيرة.)[12]
وللغروتيسك في مسرحية "أهل المخابئ" تقاطعات مع العبثي، والعجائبي، والكوميدي السوداوي، وكأن الأمر يتعلق بهدم وإعادة بناء على أنقاض نصوص سابقة أو معاصرة بنَفَسٍ جديد. صراع نص مع نصوص أخرى في إطار تناص متجدد؛ مما يؤكد بأن مرجعية كل نص إنما هي النصوص السابقة عليه. فعبثية الحرب في النص بادية وتتسع لتشمل كلًّا من مفهوم "أداموف" و"يونسكو" و"بيكت" للعبث. ففي نظر "أداموف" Adamov يتحدد في <<عدم اتصال أساسي بين الكائنات، حيث لا أحد ينتظر أحدًا. وبالنسبة لـ "يونسكو" Ionesco فالعبث يتحدد لديه دائمًا في باستحالة التواصل، والعزلة، والتطويق. ويدعي "بيكيب" Becket أن محاولة التواصل الغير ممكنة هي ببساطة تصرفات غريبة مبتذلة، أو مع كوميديا رهيبة، مثل الجنون الذي يتحدث مع أثاث التطويق.>>[13]
<<عجين: (يفتح ملفًا ضخمًا) اجتماع عاجل لمجلس المخابئ السعيدة.
النصف: أعترض (رافعا يده) أقترح صيغة اجتماع طارئ بدل عاجل.
ملفوف: أحتج (يخبط الطاولة بكفه) أقترح صيغة اجتماع استثنائي عوض طارئ.
عجيـن: (يرمق النصف وملفوف بحيرة) اجتماع... عاجل وطارئ واستثنائي لمجلس المخابئ السعيدة.. عدد123115 ميم، والمتعلق بمشروع القانون المالي المعروض على أنظار مجلسنا الموقر.. حيث يتحتم علينا خلال هذا الاجتماع الهام مناقشة بنود هذا المشروع.
النصف: أعترض.. أقترح تعويض صيغة مناقشة البنود بصيغة مراجعة البنود.
ملفوف: وأنا أحتج على صيغة مرجعة البنود وأقترح فقط صيغة مراقبة البنود.>>[14]
كما أن العجائبية حاضرة بقوة في شكل وطبيعة الشخوص<<"ملفوف" طباخ بدون جلد، جسده مغلف بلفافة ترابية. "النصف" طباخ مختص في طبخ العظام والجماجم، نصفه السفلي مبتور. "عروس" طباخة عانس في الأربعينات، ترتدي ثوب الزفاف الأبيض وقبعة الطبخ. "المندوب" مندوب اللجنة الثورية المخبئية العليا، رجل ضخم يرتدي بزة المطبخ وقبعة عسكرية وحذاء عسكريا. "عجين" طباخ مختصص في خلط العجائن والفطائر.>>[15]
والكوميديا السوداء ممثلة في الهزل الفظ:
<<ملفوف: (يحمل صفا طويلا من الأطباق البلاستيكية) في انتظار الجواب الحاسم للمندوب بشأن مطلب نقلنا إلى أحد المخابئ السرية المنيعة.. أشغل نفسي بِعَدِّ الأطباق.
النصف: المهم كم العدد؟
ملفوف: أكثر كثيرا من القليل.. وأقل قليلا من الكثير
النصف: تحدث معي بلغة الأرقام.. أريد رقما محددا
ملفوف: الأطباق لا تُعد بالأرقام أيها الغبي.
النصف: وبماذا تُعد إذن يا ملفوف؟
ملفوف: بعدد ضربات القصف التي تسعفك بأطباق من العظام والجماجم الطرية.. فهي كما تعلم من اختصاصكم وتخصصكم.. أي أنها تقع في دائرة اهتماماتكم..>>[16]
في هذا الحوار تبرز الكوميديا الهجائية في اقتحام موضوعات محرمة، ومسكوت عنها؛ حيث يتم التعاطي معها في قالب فكاهي ساخر، مع الاحتفاظ طبعا بدرجة معينة من الجدية. فتتوافق الفظاعة باللذة، ويتمازج الألم بالمتعة، والتسلي في أجواء الجنون. وهكذا تحولت جثث العنف المجنون إلى وجبات في أطباق لزبناء مفترضين. <<فمن خلال جعل الكوميديا والمأساوية يتعايشان، يرتب الكُتّاب المسرحيون الجدد للعنصرين المتعارضين للانخراط، ومن ناحية أخرى، لصد بعضهم البعض، وبالتالي خلق بنية ديناميكية. لنلق نظرة على الجزء الأول من هذه الصيغة: 1) كيف يمكن لهذين العنصرين المتعارضين المشاركين؟ من خلال دفع الكوميديا إلى النوبة التي تقود إلى المأساوية: بما أن الكوميديا يمكن أن تأتي، كما في المهزلة، من البؤس البشري (سقوط الشخصية على سبيل المثال)، يكفي إبراز هذا البؤس حتى تنشأ المأساوية. 2) العنصران اللذان تم الحصول عليهما بهذه الطريقة يميلان بشكل طبيعي إلى تنافر بعضهما البعض. لإنشاء بنية ديناميكية حقا، سيكون كافيا لتوسيع الفجوة بين النقيضين.>> [17]
- من الحالة الطقسية للغروتيسك إلى الحالة المعرفية الجمالية
في هذه المسرحية سيجد المخرج نفسه إزاء شخصيات تَحَوَّلَ معها الفعل المسرحي من "المسرح المسرحي" ذي البنية الذهنية العقلية إلى "مسرح الصورة" الذي يَتَشَيَّأُ فيه الجسد ويصير مجرد صورة سلعية. وهو ما يتناغم مع "حضارة طوفان الصور" التي نحياها. في المسرح الدرامي يحضر "الجسد الدال" في فضاء يؤدي فيه الممثلون أدورًا تمثل "حدثا زمكانيا" <<تتحدد فيه الحياة حصريا من وجهة نظر بنية علاقات التفاعل بين الأفراد، ويشكل "الحوار" Dialogue كما يقول "بيتر زوندي" P. Szondi وسيطة الكلامي. ومن ثم، فإن هذا الإطار لا يراعي دور المتفرج إلا باعتباره "ملاحظا"، حيث يُقصي كل إمكانيات حقله المرئي: أي إمكانية تمثل الطبيعة الحقيقية للأشياء أو التأمل فيها؛>>[18] بينما في المسرح ما بعد الدرامي يتحول الفضاء إلى "موقع" يُقَدِّمُ الممثلين باعتبارهم أجساما/مؤدين، وتُقدَّمُ المَشاهِدُ على أساس أنها "لوحات" Tableaux مجردة من الزمان والمكان، تكاد كل لوحة أن تكون مستقلة بعالمها، ولا ترتبط بينها بعلاقة سببية. وعلى المتفرج/المتلقي - والحالة هذه – أن يقوم بالجمع بين لوحة وأخرى بحثًا عن رابط ما، ليصير طرفًا مباشرا في البحث عن دلالة/دلالات مفتوحة يتقاسمها فضاء الخشبة وفضاء المتفرجين.
بالنسبة للمؤلف، فبوسعه الانخراط في فلسفة ما بعد الحداثة المسرحية كأن يساعد على بلورة تصور جديد لكتابة بخصوصية التباين والتناقض. وبتقنيات مستقاة من مصادر متنوعة كمقاطع فيديو، مشاهد سينمائية، حفلات رقص، مشاهد مرعبة... وأن تتم مسرحة عمليات التفكير في شكل صور تجريدية متواصلة تستدعي المتلقي لممارسة الاستغراق الذهني. إن الأمر يتعلق بكولاج مسرحي عديم الانسجام والتناغم، ويتأسس على فكرة التشظي والتنافر والتقويض على مستوى اللغة التي تتحول معها وظيفة العلامات إلى دوال غامضة يصعب القبض عليها، ومبعثرة يتعقد الإمساك بها.
إذا كان النص يعكس بالضرورة تصور المؤلف لعالمه التخييلي، ويعكس مقاصده؛ فمهمة المخرج تتحدد في استدعاء ما غاب في اللغة الكلامية من خلال تقنيات سمعية بصرية، تُحَرِّرُ النص من الزمن المغلق الذي اشتغل في إطاره المؤلف، إلى زمن مسرحي مُشْرَع على سيل من الدلالات يصنعها العرض. وسيكون دور المتلقي - باعتباره طرفا ثالثا من أطراف العملية المسرحية – هو استكمال عمل المخرج في عملية إبستمولوجية تستدعي ما غاب عن المخرج في جسد العرض. فكما يرى المؤلف أن العرض الذي يشاهده لا علاقة له بالنص الذي صاغه، فمن الوارد جدا أن يُفاجأ المخرج من جهته أن تَلَقِّي العرض لا علاقة له بالعرض نفسه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بنص غني بالمناطق الرمادية والمواطن البيضاء الباحثة عن معنى، الحاضرة بقوة في "أهل المخابئ". وهذا مثال لكل منهما
منطقة رمادية: <<المندوب: إنك قطعًا مصاب بالتبول اللاإرادي... ومن أهم أسبابه ومسبباته الإفراط في المضغ والبلع واللعق والشخير والصفير والزعيق والنقيق والنهيق والنعيق... مما يؤدي إلى هبوط وارتفاع الضغطين والرعشة في اليدين وانتفاخ اللوزتين وتقيح الكليتين وانسداد المخرجين.. ينجم عنه مرض أنكى وأشد وطأة وأعني به البول الزلالي.. وهو بكل تأكيد ما ينطبق على حالتك أنت أيها النصف المشطور.>> [19]
موطن أبيض: غرابة المكان وغرائبية الشخوص تجعلها قابلة للتأويل وحمالة أكثر من قراءة باعتبارها موطن بيضاء: <<النصف: (رجل أصلع، قامته قصيرة جدا، نصفه السفلي مبتور. ينسل من فوهة أحد الأنفاق ممتطيا خشبته الأرضية القصيرة المتزحلقة بواسطة عجلات حديدية صغيرة، يتلفت يمينا وشمالا ثم يزعق صارخا بنغمته الخاصة المميزة) اجتماع.. (يتسلل أعضاء المجلس تباعا ليحتلوا أماكنهم حول طاولة الاجتماعات بينما النصف يندس منزلقا تحت الطاولة ويخرج رأسه وكتفيه من خلال فتحة دائرية كبيرة وسطها).[20]
إن الانتقال من الحالة الطقسية للغروتيسك إلى حالته المعرفية يتحقق في إطار التحول الفرجوي المسرحي ببعده الجمالي الذي يحرره من الشكلية الجامدة الذي يحصره فيما هو قبيح وغريب وفظيع. إن الغروتيسك باعتباره رؤية انثروبولوجية على المستوى الفكري والثقافي ينطلق من كون الفن المسرحي يتضمن ما هو غروتيسكي. فالطقوس الديونيزوسية الإغريقية المتمثلة في الرقصات التنكرية والأغاني الاحتفالية، تُعدّ أكثر فروع الدراما قربا إلى أصلها الديوثرامب. والنزوع الغروتيسكي يتمثل أساسا في كون أفراد الجوقة كانوا يتنكرون في هيئة حيوانات، أو بشر نصفه حيوان. ويقدمون عروضا غايتها التسلية والإثارة، تقربا وتعظيما لإله الخصب. بهذا المعنى فالغروتيسك نمط تعبيري يتضمن المسخ والألم لإدراجه في إطار الفن والجمال، لأن إبراز قيمة ما هو جميل يستحضر بالضرورة ما هو قبيح. وبمقدار ما يحضر الاستهجان والابتذال تتحقق "القيمة الإستطيقية" من صميم "النفور الاستطيقي"، على أساس أن جمالية المسرح لا تبحث عن الحقيقة أوعن معنى محددا؛ بل تقف عند حدود تعرية الوقائع وتشريحها وطرح السؤال وحسب، استنادا إلى رؤية جمالية قوامها الجوهر الغروتيسكي القائم "الشيء ونقيضه" المتمثل في الثنائية الجدلية "الواقع – الحقيقة،" يتداخل فيها المقدس بالمدنس، الجمال بالقبح، الأنا بالآخر، الهزل بالجد، الفكاهة بالتجهم، والضحك بالبكاء. إن الأمر يتعلق بحالة انفصامية تماما بين صدمة ما حدث وما سيحدث، مثلما هو الأمر في الطبخة الأولى من "أهل المخابئ"، حيث التناقض يأخذ مداه بين طرفي الصراع في ظل غياب لافت للنزعة الفردية التي تحول معها الكلام إلى حالة لغو عبثية صادمة.
<<النصف: وأنا أعترض على إدراج صيغة اِملأ ولو طارت كل الماعز والأبقار والأغنام والجواسيس وكل الدواب التي تدب فوق الأرض وتحتها أيضا.
عروسة: (تصرخ) نقطة نظام أيها السادة ... نقطة نظام من فظلكم.
(يحتدم الصراخ والضجيج بين الفرقاء بحدة. وفجأة تسمع صفارات الإنذار فيختفي الشخوص تحت الطاولة. تخفت صفارات الإنذار فتظهر رؤوسهم ليرتفع زعيقهم من جديد).
ملفوف: أنا أرفض صيغة اِملأ الفراغ
عجين: أنا متشبت بصيغة اِملأ الفراغ
النصف: أنا ضد صيغة اِملأ الفراغ
عروس: نقطة نظام أيها السادة (الآخرون مندمجون في صراعهم فتصرخ في وجوههم) نظام.. بلا نقطة ولا فاصلة ولا حتى بصلة.>>[21]
عبثية اللغة تتمثل في كونها قناعا يخون الحقيقة في صفائها الذهني لتفسح المجال لكل ما هو غامض وملتمس، وتبحث عن المنطق في أجواء اللامنطق؛ مما يغرق الشخصية المسرحية في فردانية تُقوٍّي شعورها بالعزلة، ويكرس عجزها عن التوحد مع وجودها، ويحولها - بالنتيجة - إلى حالة نمطية معادلة لأفكارها في عوالم ميتافيزيقية، وأن الحقيقة بالنسبة إليها تدرك في اللاوعي.
<<عجين: (يقرأ التقرير) سيدي المندوب المحترم.. أيها السادة.. عرفت مخابئنا الأخيرة نزولا حادا في المؤشر الكمي الاقتصادي مما أثر سلبا على أسهم البورصة المركزية المخبئية الأمر الذي أدى إلى انهيار ملحوظ في المؤشر العام للاقتصاد المخبئي.. وتعود أسباب هذا التراجع إلى الميزانية الخيالية التي رصدت لبناء المخابئ الفولاذية السرية المنيعة والمحصنة والباذخة.. أما فيما يتعلق بالمؤشر الاجتماعي فقد توصل مجلسنا الموقر بتقرير مستعجل من الجمعية المخبئية للأطباء البيطريين.. مفاده أن الحيوانات المخبئية الأليفة قد تعرضت للانقراض التام بفعل الاستهلاك المفرط للحومها.. وهو الأمر الذي يفسر الارتفاع المهول لمؤشر التجارة في الجثث البشرية بالسوق السوداء المخبئية.>>[22]
- "الجسد المبتور" الغروتيسكي في مقابل "الجسد الكامل" الكلاسيكي
في الغروتيسك، تتوارى الحقيقة لتفسح المجال للقبح والمسخ والتشوه المتمثل في "الجسد المبتور". فمن "كمال الجسد" في المسرح الكلاسيكي إلى تحطيمه وإهانته والحط من كرمته في المسرح الغروتيسكي عن طريق مسخ أو بتر عضو منه أو أكثر، أو تفكيكه بحيث يكون كل عضو مستقل عن العضو الآخر <<ملفوف: في المخبأ الأول الذي تركت فيه جلدي ومسامي وأظافري وشعر رأسي ومؤخرتي.>>[23] وكذلك في اتساع الهوة بين الواقع والخيال، بين الحقيقة والوهم تتحقق الجمالية الغروتيسكية التي تحرص على الجمع بين المتضادات: التراجيديا والكوميديا، الإنس والجن، الآدميين والكائنات الشبحية استنادا إلى فلسفة القبح لإبراز قيم الجمال. وينتفي مبدأ الفصل بين الأجناس الأدبية، ويتحرر الجسد من قيود المحظورات، مثلما حصل - على سبيل المثال لا الحصر- في مسرحية "أوبو ملكا" لـ "ألفريد جاري".
هذه المسرحية تصنف في إطار مسرح العبث بحكم النظرة التشاؤمية للإنسان وغموض المصير الإنساني. تجليات الغروتيسك تتمظهر في قبح جسمه ودمامة وجهه، وفظاعة التقتيل والتعذيب للبولنديين الذين نصَّب نفسه ملكا عليهم غصبا. لقد سعى "ألفريد جاري" إلى التمرد على "النمطية" التي تتمثل في قوالب وأشكال الفنون القائمة، وإلى استفزاز مشاعر المتفرجين لإثارة سخطهم على المسرحية عن قصد، سعيا وراء إظهار الفرجة المسرحية بوصفها تعرية زيف "الحقيقة"، وإلى كشف الصورة المخيفة للطبيعة الحيوانية عند الإنسان، المنفلتة من أي رادع أخلاقي أو وازع ديني. <<لقد وجد السورياليون في هذه المسرحية التعبير عن اللاشعور، أو كما يقول بروتون: "التجسيد الرائع للأنا في مفهوم كل من نيتشه وفرويد. وهو مجموع القوى المجهولة، اللاشعورية، المكبوتة.>>[24]
في هذه المسرحية تبدو شخصية "أوبو" في صورة كاريكاتورية للبرجوازي المفرط في أنانيته، وكرمز للقبح والغباء، الشره والنهم، الجبن والعجز.
<<الأب أوبو: يا أم أوبو، أنا لا أفهم شيئا مما تقولين.
الأم أوبو: ما أغباك !
الأب أوبو: أقسم بشمعتي الخضراء أن الملك فينسلا ما يزال حيا يرزق. ومع كل، حتى إذا مات، ألم ينجب أسرابا من الأبناء؟
الأم أوبو: ومن يمنعك أن تقضي على الأسرة كلها وأن تحل محلهم؟
الأب أوبو: آه، يا أم أوبو، هذه إساءة لي، والآن، حالا سألقي بك في الغلاية.
الأم أوبو: ايه، أيها البائس المسكين، لو القيت بي في الغلاية فمن سيرفع لك سروال مقعدتك.
الأب أوبو: ايه حقا ! ولكن ماذا، أليس لي مقعدة كغيري من الناس؟
الأم أوبو: لو كنت مكانك، لوددت أن أجلس هذه المقعدة فوق عرش. وبذلك يمكنك أن تزيد ثروتك إلى ما لا نهاية، وأن تأكل النقانق دائما، وتتنقل في عربة فاخرة.
الأب أوبو: لو كنت ملكا لأمرت أن يصنعوا لي قبعة ضخمة كتلك التي كانت عندي في آراجون ثم سرقها مني الإسبان الأوغاد بكل وقاحة.>>[25]
الرؤية الفنية في مسرحية "أهل المخابئ" تتوزعها ثلاثة مستويات
مستوى أول: تخطي المفهوم الكلاسيكي للمحاكاة الذي يلزم الفنان بأن يستوحي من الواقع في إطار المألوف، على اعتبار أن <<الواقعية.. هي دون الواقع بكثير، فهي تقليص له وتزييف، لأنها لا تأخذ في الاعتبار حقائقنا كـ (بشر)، وهواجسنا الأساسية: الحب والموت والاندهاش.. إن حقيقتنا تكمن في أحلامنا، في خيالنا.. إن الحالم أو المفكر أو العالم هو الثوري. هو الذي يحاول أن يغير العالم..>>[26]
مستوى ثان: الانطلاق في إثر أفق فني جمالي ما بعد حداثي استثمر اللامألوف في إطار ما بعد أو ما فوق الواقع؛ حيث تتوارى الحقيقة ليحضر المفزع والمرعب، على أساس أن الجمال يكمن أيضا في التعبير عن القبح والتشوه في عوالم اللاواقع.
مستوى ثالث: توظيف الغروتيسك باعتباره نظرة تشاؤمية قائمة على الاستفزاز لهتك أقنعة الزيف عن الوجه المظلم والمُقْرف للطبيعة البشرية، وللتعبير عن المآل المأساوي للوضع الإنساني.
وهذه الثنائية القائمة على الصراع الدياليكتيكي بين الشيء ونقيضه تؤشر على ما هو متغير ومتحول ومستبدل في الفرجة المسرحية، وليس على ما هو نمطي ثابت. وهو ما ينجلي في شخصيات المسرحية التي بدت كائنات هجينة تنتمي إلى عالم لا واقعي، ومتحررة من التشكل الجسدي. تطرح خطابها وفق رؤية تشاركية تجعل عملية التلقي قائمة على حالة انفصامية بين "ما حدث" و"ما سيحدث"، سعيا وراء محاولة فهم وحسب، وليس السعي إلى القبض على الحقيقة، على أساس أن "الحقيقة الثابتة" تتناقض أصلا مع مبدأ الغروتيسك. لذلك، بدت مظاهر التشويه الفيزيولوجي عاكسة للتشوه السيكولوجي.
<<(عجين قابع داخل الآنية الضخمة بينما عروس مستلقية فوق طاولة الاجتماعات تتأمل ملامحها ومنبت شعيراتها البيضاء في مرآتها الصغيرة).
عروس: تبا... شعيرات الأربعينات البيضاء بدأت تزحف كالصبار (وهي تقتلع بعنف مع كل تساؤل شعرة من شعيراتها البيضاء) سيوافقون... لن يوافقوا... سيوافقون... لن يوافقوا... سيوافقون... لن يواقفوا (تنهض ثم تقترب من الآنية الضخمة. تنقر بأصابعها طرقات خفيفة على غطائها) أخبرني يا عجين.. هل تتوقع أن يوافق أعضاء اللجنة المخبئية العليا على مطلبنا.. هل تتوقع أن يتم نقلنا إلى أحد المخابئ السرية الفولاذية المنيعة؟ أجبني يا عجين أرجوك.. إني قلقة جدا (تطرق آنيته من جديد ثم تلصق أذنها بغطائها) عجين... إني أسمع خشخشة ماذا تفعل.؟>>[27]
أن رمزية الجسد الكلاسيكي إلى الطهارة والنبالة، وإلى المثال والكمال، تقابلها في الجسد الغروتيسكي رمزية مضادة قوامها الحد الفاصل بين القيم الإنسانية المتعارف عليها، و"اللاقيم" المتمثلة في الانهيار الأخلاقي والفراغ القيمي التي بات سمة زمننا هذا. وذاك ما تعكسه مسرحية "أهل المخابئ" التي بدت كمرآة فاضحة لعالم يسوده جنون القتل، والكفر بـإنسانية الإنسان، التمادي في أنانية انتحارية.
<<(تعود الإضاءة تدريجيا. تظهر عروس وهي ترفع يد النصف وتتركها تسقط).
عروس: (تصرخ) لقد مات.. ما النصف.
عجينك مات؟ (يرمق ملفوف بنظرات الاتهام).
عروس: (تصرخ صرخات متتالية) مجرم.. مجرم...
ملفوف: لم أقتله.. لم أقتله.
عروس: (تبكي) مجرم.. سفاح
ملفوف: أقسم لكما بأني لم أقتله... لقد..
عروس: (تقاطعه وهي تشهق) لقد قتلتَه.. وتخطط لقتلنا جميعا.. لتنسل وحدك ناجيا من هذا المخبأ الملعون.
ملفوف: (متجها نحو عروس) ولم لا تكوني أنت؟.. نعم أنت أيتها الحية الرقطاء التي أجهزت عليه.. أنت التي مزقت أحشاءه بجرعات من شرابك المسموم.
عجين: ابتعد عنها أيها السفاح المسلوخ..
ملفوف: (يشهر سكينا ويطوق عنق عروس) إذا اقتربت أكثر أيها المعجون البشري.. فسأذبحها ذبح النعاج وبالتالي فلن أخسر شيئا.
عجين: إذا أصابها سوء أيها الجرذ المسلوخ.. فسأعجن لحمك وأحوله إلى نقانق.
ملفوف: لقد انكشفت لعبتك أيها المعجون البشري النتن.. لقد قتلت النصف وتريدني أن أخلصك من عروس ساعتها لن تعدم حلا في إلحاقي بهم.. قبل أن تشد الرحال وحدك إلى المخبأ المحصن الموعود.>>[28]
يتمظهر الجسد الغروتيسكي في كونه مُنتجا للعلامات وليس أداة تواصل بين الممثل والمتفرج، وفي استثماره مسرحيا لكي يندرج في إطاره الرمزي. وعلى عكس المنظومة الكلاسيكية التي تقدم الجسد باعتباره كلّا كاملا ومنفصلا ومتميزا عن العالم الخارجي؛ <<فإن الغروتيسك لا يكتفي بتحجيم تضاريس الجسد، بل يبرز أيضا الثقوب التي تظل عادة محجوبة ليؤشر لنا بذلك على أن الجسد ينطوي على أعماق لا نهاية لها. وكما هو الشأن بالنسبة لعضو الذكر، فإن تجسيده لا يتم بطريقة مباشرة، وإنما هناك عضو آخر ينوب عنه. ويتعلق الأمر في هذه الحالة بالفم، لأنه الصفة الأكثر خصوصية بالنسبة للجسد الكرنفالي.>>[29]
<<النصف: هل تحبينني يا عروس؟
عروس: أحبك؟ (تقبله في وجنتيه) طبعا أحبك (فجأة تشده من أذنيه) أنظر في عيني جيدا.. أبحر فيهما أيها الغريق.. أبحر فيهما وستجدهما يتفجران عيونا بل أنهارا وبحارا من الحب والعشق والرغبة (تحضنه يقسوة) أبي كان يحب أمي.. كان يحبها كطفل يتيم... وعندما ماتت تحت أنقاض مخبأ منهار.. باع جثتها لكي يطعم ابنته.. نعم لكي يطعمني أنا.. وذات مساء عندما انفجر في وجهه لغم من ألغام الموت.. بعت جسدي لأجد لذاكرتي حفرة في هذه الأرض الميتة (تبكي في حضنه ثم فجأة تنتفض بعنف) تزوجني هيّا (تنزع ثوب الزفاف) عاشرني الآن...
النصف: (بخوف) أنت تعلمين بأني لست مؤهلا لذلك.
عروس: (تصرخ في وجهه) اِخلع ملابسك الآن..
النصف: (يتراجع هلعا) التلقيح الاصطناعي هو الذي سينوب عني..
عروس: قلت لك الآن (تشده من ملابسه) عاشرني الآن... وإلا اغتصبتك اغتصابا تاريخيا...
النصف: (يستغيث) ملفوف.. أدركني يا ملفوف.
ملفوف: (يظهر مسرعا ويخلصه من عروس) أتركيه أيتها الهرة المتوحشة.
عروس: (تقف متوثبة كالنمرة مشيرة إلى ملفوف) نعم أنت.. سأضاجعك أنت.. سأنزع عنك لفافتك المتعفنة وأحتضن لحمك المسلوخ... وألعقه لعقا... كسحلية شرهة.
ملفوف: أفضل أن تبدئي بهذا (يدفع إليها بالنصف وينسحب هاربا).
النصف: (يزحف بدوره هاربا خلف ملفوف) لا تتركني يا ملفوف.
عروس: سأتزوجكم جميعا ... الواحد تلو الآخر ... أنت والنصف وعجين والمندوب وكل الطباخين المختبئين... سأعجنكم جميعا... وسأصنع منكم زوجا واحدا... زوجا وسيما قويا خارقا كالآلهة... سيمنحني وردة وقبلة وعصير النعناع... قبل أن يرتفع بي إلى عنان السماء ليمسح الكآبة عن وجه الشمس...>>[30]
- المخبأ "بوصفه فضاءً غروتيسكيا
سعى المؤلف كريم الفحل الشرقاوي في "أهل المخبئ" إلى ابتداع عالم سحري عبَّرت فيه كل الشخصيات عن حضورها بشكلها الجسدي الغروتيسكي الذي فجرت من خلاله ميولاتها العدوانية، وكشفت عن شهوانيتها الدفينة في لاوعيها عبر لغة جسدية مستفزة provocante في فضاء مخبئي يتخذ شكل <<مطبخ غرائبي مجهز بمختلف الأواني والأسلحة المطبخية. في الوسط تجثم طاولة غريبة مفككة يتم تجميعها خلال اجتماعات مجلس المخابئ. في الجهة اليمنى للركح تقبع آنية للطبخ ضخمة جدا في حين يتدلى من أعلى الركن الأيسر المعتم درج حديدي حلزوني يؤدي إلى سطح الأرض. في الجدران الخلفية تظهر فوهات السراديب والأنفاق المؤدية إلى المخابئ الأخرى.>>[31]
غرائبية الفضاء والسرية التي تحيط به، جعلت الشخصيات المسرحية في حلٍّ من الضوابط الاجتماعية والموانع الأخلاقية، فاسحة المجال للعقل الباطن أن يُفجر مكبوتاته من خلال هيمنة الأنا على الشخصيات باعتباره مصدر ومبعث الشهوات الجسدية؛ باعتبار أن الجسد - كممثل للاوعي - كشف عن نفسه من خلال تمظهراته المنحرفة المتمثلة في العنف والعري والغواية والإغراء.
رمزية الجسد تتمثل في دلالته الفرجوية والجمالية. فالفرجوي في "أهل المخابئ" يقوم على الإثارة من خلال الغروتيسك الذي <<يلح على ضرورة تجاوز المحظورات وتحرير الجسد عبر الصدمة البدائية: الشيء الذي أدى بالدراما الحديثة إلى العودة للأشكال البدائية للمسرح حيث يلتقي الارتجال باللامنطق في الاحتفال، كما يلتقي الزائل L’éphémère بالتهتكي l’orgiaque.>>[32] وبذلك تتحول الشخصية المسرحية إلى "جسد مادة" Corps – matériaux، مما يحفز المخرجين في المسرح التجريبي لتجاوز النص وتحويله إلى مشاهد كاريكاتورية تتناول ما هو "فاضح" في الجسد (العجيزة، الأعضاء التناسلية، ترهل البطن، تشوه ملامح الوجه)، وتتجاهل ما هو "كامل" (الوجه، الرأس، العيون، الهامة، القامة؛) فنكون بذلك بصدد ثنائية صدامية تتمثل في خلخلة المألوف وفضح المستور، وإثارة المسكون، باعتماد لغة هجينة بذيئة ساخرة.
جماليا، يعتبر الغروتيسك شكلا من أشكال التعبير عن موقف حيال ما يمزق العالم من مواجهات دامية وحروب أيديولوجية وصراعات فكرية تبلورت في قالب كوميدي سوداوي كرؤية غروتيسكية للعالم، تتعاطي مع الغامض والشاذ من منظور الغرائبية والفضائحية، وتعتمد القبح والتشوه في تشكيلة الجسد، والتهجين بين الإنسان وغيره من المخلوقات الأخرى، في مشاهد كاريكاتورية و كرنفالية لا أول له ولا آخر، بحيث تبدو النهاية وكأنها معالم بداية جديدة. وهو ما تجسد عمليا في "أهل المخابئ" التي لا أول معلوم لها ولا آخر. فعلى مدى المشاهد التسعة، كان إيقاع القصف متواصلا بدون انقطاع، لا نعرف متى بدأ، ولا نعلم كيف انتهى<<تسمع صفارات الإنذار... ودوي القصف... وانفجارات القنابل...>>[33] ليزداد أكثر في الطبخة الأخيرة <<يشتد القصف.. صفارات الإنذار.. أزيز الطائرات.. انفجارات القنابل.. >>[34] وهو ما استدعى الفعل المضارع بحكم أن دلالته الزمنية لها ارتباط بأزمنة الحال والمستقبل مع إمكانية امتداده إلى أزمنة أخرى من الماضي القريب والبعيد، مع الأخذ في الاعتبار أن أي زمن من أزمنة الفعل يحدده السياق العام بالدرجة الأولى.
إن مفهوم الزمكان في "أهل المخابئ" هو اللازمان واللامكان. فالقصف الحاضر بقوة في النص يرتهن بمكان وزمان افتراضيين، لأن الأمر يتعلق بحالة لاشعورية، وجدت فيها الشخصيات المسرحية متنفسا لعُقَدِها النفسية، ولتفريغ غرائزها المرضية. فالحضور اللافت للقبح الذي يتخذ في كل مرة شكلا من أشكال الرعب والعنف، يعكس حالة اللاتوازن التي سادت على مدى كل النص؛ << صفارات الإنذار ، دوي القصف، انفجارات القنابل ، الهدوء المريب ص13، القصف الجحيمي، التهديد بالاختناق، الكارثة الإنسانية، ظاهرة الانتحار ص17، الإبادة الجماعية ص18، رائحة شواء بشرية ص30، كلنا شواذ ص37، إن رؤياك تفزعني ص43، إنه الجحيم بعينه ص52، هناك أربع جثث علينا أن نحسم أمرها ص57، انبطاح الجميع تحت الطاولة، ص61، تسمع انهيارات تحت المخبأ ص66، يشتد القصف الأٍرضي ص71، انفجار لغم من ألغام الموت في وجهه ص76، أنا الذي سيذبحك أيها السفاح ص84.>>
في الطبخة التاسعة، ازدادت وتيرة الهلع والفزع أكثر فأكثر. فالابن بما هو عليه من دمامة يلقى مصرعه معجونا في آنية طبخ أمام عيني أبيه في مشهد أشد رعبا وفظاعة.
<<النصف: ألم تر ابني الربع؟
عجين: (وهو يحرك الآنية بمغرفته الكبيرة) الربع؟ كيف هو؟
النصف: إنه ولد جميل بعين واحدة.. وسيم بدون أنف.. رشيق بدون رجلين.. هو فلتة زمانه ومعجزة أقرانه وجوهرة أترابه... باختصار يا عجين هو بدر الزمان وشمسه التي لا تغيب.
عجين: لقد رأيته.
النصف: (بفرح) رأيتَه، أين؟
عجين: (مشيرا إلى آنيته) هنا.
النصف: (بفزع) هنا؟؟؟؟
عجين: لعد عجنته...
النصف: ويلي... عجنتَه... عجنت ولدي... عجنت الربع...>>[35]
لقد استوحى المؤلف كريم الفحل الشرقاوي من الحفريات الأثرية ذات الرسومات الغرائبية، فضاءً حيا لمخلوقات بشرية ونصف بشرية مشوهة للتعبير عن رؤيته الإبداعية، وتحديد موقفه مما يشهده عالم اليوم من فظائع وحروب وكوارث.
وهكذا تحولت المغارات المكتشفة Grotto التي تعني كهف أو سرداب، وتقرن بكل ما هو قبيح ومشوه وعجائبي وغرائبي إلى فضاء غروتيسكي للتعبير عن حال الإنسان ومآل الإنسانية، بعدما ارتقى مصطلح grotesque إلى مستوى المفهوم بانتقاله من دلالته البدائية في إطارها المكاني الضيق إلى الإطار المعرفي ببعده الكوني. كما أن تحرره من شكله المحنط الجامد في الكهوف أكسبه بعدا جماليا بحكم استقطابه للفنانين التشكيليين، والمنظرين الفلاسفة، والباحثين الأنثروبولوجيين، والنقدة الأدبيين والمسرحيين، ومن قبلهم المبدعين المسرحيين العظام بدءًا من الإغريق إلى الآن، بحكم أن عراقة الفن المسرحي تؤهله بالضرورة لاستيعاب المظاهر الغروتيسكية والكرنفالية والكاريكاتورية، وبحكم تموضعه في مجال <<التأويل الذي ليس فعلا مطلقا، بل هو رسم لخارطة تتحكم فيها الفرضيات الخاصة بالقراءة، وهي فرضيات تسقط، انطلاقا من معطيات النص، مسيرات تأويلية تطمئن إليها الذات المتلقية.>>[36]
إن نص "أهل المخابئ" بوصفه نسيجا من تناصات متداخلة ومرجعيات كثيرة؛ فإن عملية التأويل ستكون عبارة عن فيض لا متناهي من الدلالات ضمن السياقات الثقافية والتاريخية اللامتناهية. إنه نص لا يبحث عن الحقيقة، ولا عن معنى محددا؛ بل يروم فتح باب السؤال على أساس أن القراءة متحولة باستمرار، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمسرح نصا وعرضا لأنه في الأصل بحث دؤوب في قضايا الواقع والمصير الإنساني. وهو ما يقتضي عند تلقيه كنص أو كعرض الحاجة إلى بناء زاوية نظر لها اتساق بالسياق العام. وهو ما يميز خطاب التأويل بكونه <<أكثر حرية من فكرة المنهج، ومتحرر من الإلزام المنهجي. الإلزام المنهجي لا يسأل قدر ما يختبر صحة الشيء. والتأويل غير ذلك، لأنه ليس مبناه حل مشكلة، ولا إقرار نظام معين إقرارا صارما. التأويل ممارسة وجودنا في خارج النظام أيضا. نحن نُكوّن أنظمة معينة، ونحن نتأوّل فنخرج أو نسأل. لا بد لنا من حرية مواجهة نظام معين، وذلك هو التأويل>>[37] الذي يتيح الاشتغال على البنية الداخلية للنص بحثا عن دلالات بينة ومضمرة لإنتاج معنى. وعندما يتعلق الأمر بالنص المسرحي أو العرض المشهدي، فإن قراءة كل منهما يجب أن تتحقق انطلاقا من التجربة الذاتية للمتلقي على أساس أن الممارسة المسرحية – على عكس فنون القص والقول - تتقاطع مع الظروف التاريخية والمؤثرات الاجتماعية لأي بلد، وتؤثر وتتأثر بالثقافة المحلية والخبرات الشخصية.
- "الأنا" الغروتيسكية في مواجهة "الأنا الأعلى" السوية
- كيف ظل المخبأ قائما، ولم يتعرض للتصدع أو الانهيار على الرغم من <<اشتداد القصف، وأزيز الطائرات، وانفجارات القنابل؟.>>[38]
بـ- ما سر عجز أهل المخبأ عن المواجهة المباشرة والرد بالمثل لإيقاف العدوان.؟
جـ- لماذا لم ينتفضوا، ولم يحاولوا الفرار رغم وجود "درج حديدي حلزوني يؤدي إلى سطح الأرض".؟
د- هل يعقل أن أحدا لم يلق حتفه من المختبئين على الرغم من اشتداد القصف، وأن الضحايا كانوا بفعل فاعل من داخل المخبأ.؟
هـ- ما الذي جعل المندوب، الرجل الضخم والمنتفخ والمتحكم في المخبأ، يترك المختبئين عرضة لمصيرهم المحتوم.؟
إن عالم "المخبأ" في "أهل المخابئ" يرمز إلى قوة العقل الباطن، وإلى تأثيره البالغ في السلوك البشري. وأن قبح الشخصيات وتشوه خِلْقَتِها تجسيدٌ للنزعة الشريرة والدوافع الإجرامية الكامنة في اللاوعي. وأن سادية "الأنا" الفردية متحفزة أبدا للعدوان، وباحثة دوما عن اختلاق عدو خارجي.
لقد غاص الفنان المبدع كريم الفحل الشرقاوي في أغوار الذات الآدمية لكشف حقيقتها المريعة، تعرية شرورها المستطيرة، وتشريح نواياها المبيتة. إن المخبأ في نهاية المطاف ليس سوى الوجه الخفي للكائن البشري. أما دلالة القصف الخارجي الذي لم يكن له أثر يذكر على المخبئيين، فتتحدد في جبن وعجز "الأنا الأعلى" المتمثل في القيم الاجتماعية والضوابط الأخلاقية عن الحد من القتل والظلم، وإيقاف الإبادة وسفك الدماء البريئة.
[1] - د. رضا عبد الحكيم رضوان، الغروتيسك في لوحات جيروم بوش، مجلة الرافد – الإمارات العربية المتحدة، العدد مارس211 – 2015، ص84
[2] - د. حسن المنيعي، الجسد في المسرح، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة – سلسلة دراسات الفرجة 10، ط1 – 1997، ص147، 148
[3] - د. رضا عبد الحكيم رضوان، الغروتيسك في لوحات جيروم بوش، مرجع مذكور، ص84
[4] - د. حسن المنيعي، الجسد في المسرح، مرجع مذكور، ص148
[5] - نفسه، ص149
[6] - نفسه، ص149
[7] - كريم الفحل الشرقاوي، أهل المخابئ، الطبخة الأولى، منشورات مركز نون للأبحاث الدرامية والمسرحية والاستراتيجيات الثقافية، مطابع الرباط نت – المغرب، ط1 – 2019، ص13
[8] - هانز – تيزليمان، بانوراما المسرح ما بعد الدرامي، ما وراء الحدث الدرامي، مرجع مذكور، ص30
[9] - كريم الفحل الشرقاوي، أهل المخابئ، الطبخة الأولى، مرجع مذكور، ص14
[10] - نفسه، 22
[11] - نفسه، 24
[12] - نفسه، 40
-[13] Emmanuel C. Jacquart, Le Théâtre de dérision Beckett, Ionesco, Adamov, Editions Gallimard, 1974, P 182
[14]- كريم الفحل الشرقاوي، أهل المخابئ، الطبخة الأولى، مرجع مذكور، ص14، 15
[15] - نفسه، ص6
[16] - نفسه، ص29
[17] - Emmanuel C. Jacquart, le Théâtre de dérision Beckett, Ionesco, Adamov, P 182
[18] - د. حسن المنيعي، حركية الفرجة في المسرح (الواقع والتطلعات)، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة – سلسلة رقم 26، ط1 – 2014، ص41
[19] - نفسه، الطبخة الثانية، ص23
[20] - نفسه، الطبخة الأولى، ص14
[21] - نفسه، الطبخة الأولى، ص16
[22] - نفسه، الطبخة الثانية، ص26، 27
[23] - نفسه، الطبخة الثانية، ص24
[24] - ألفريد جاري، أوبو ملكا، ترجمة وتقديم د. حمادة إبراهيم، مراجعة د. سامية أسعد، سلسلة من المسرح العالمي – 191، أغسطس 1985، وزارة الإعلام – الكويت، ص19
[25] - ألفريد جاري، أوبو ملكا، ص62
[26] - نفسه، ص19
[27] - نفسه، الطبخة الرابعة، ص40، 41
[28] - نفسه، الطبخة السابعة، ص63، 64،
[29] د. حسن المنيعي، الجسد في المسرح، مرجع مذكور، ص153
[30] - نفسه، الطبخة الثامنة، ص74، 75
[31] - نفسه، الطبخة الأولى، ص13
[32] - حسن المنيعي، الجسد في المسرح، مرجع مذكور، ص13، 14
[33] - كريم الفحل الشرقاوي، أهل المخابئـ مرجع مذكور، ص13
[34] - نفسه، ص86
[35] - نفسه، ص83
[36] - أمبرتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكيةـ ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاءـ بيروت، ط1 – 2000، ص11
[37] - د. مصطفى ناصف، نظرية التأويل، النادي الأدبي الثقافي بجدة، 1420هـ، ص165
[38] - كريم الفحل الشرقاوي، أهل المخابئ، مرجع مذكور، ص86
العلم الثقافي - الخميس 27 مارس - 3 أبريل 2025