"حَشَرَةُ الْقُلّاس"
عَبثيّةُ الحرب وعَجائِبيةُ الوباء وكاريكاتورية الْواقع
(الجزء الثاني)
تأليف: كريم الفحل الشرقاوي
بقلم: د.عبد الرحمن بن إبرهيم
يتحدد فضاء "حشرة القلّاس" فيما بين زمنين:
- زمن حرب عبثية مجهولة العوالم وضعت أوزارها لتَوِّها، لكن تداعياتها ماتزال مؤثرة
<<الحفيد المجند: أفكر في تنظيم عرض أزياء رجالي باذخ وصارخ وفاضح.. سأسميه معرض الجثث المتفحمة.. سأمشي عاريا منتشيا والنار تلتهم لحمي.. ورائحة دخان شحمي المحترق تزكم أنوف الحاضرين.. أليست هذه فرجة انتحارية استعراضية صاخبة يا ... أبي.>>(22)
بـ- وزمن حرب وبائية داهمة <<في تلك الأثناء تجتاح بيت العائلة حشرة ضخمة لها ملامح دبابة.>> (23)
من مبتدأ المسرحية إلى منتهاها، تسود حالة بياض حيث اللازمان واللامكان، واللاشخصية، لا أثر لمسميات مكانية أو زمانية، ولا أثر أيضًا لخصوصية اجتماعية أو بيئة ثقافية أو هوية فكرية. نحن بصدد نماذج بشرية فاقدة لتوازنها السيكولوجي. معطوبة في فيزيولوجيتها، مختلة في ذاكرتها في عالم افتراضي يتداخل فيه الماضي بالحاضر، ويتماهى فيه الواقع بالمتوقع إلى حد الالتباس، استحالت فيه الشخصيات الخمسة إلى كائنات غرائبية تمارس التدمير المادي للذات. في نص "حشرة القلاس" لن يكون مطلوبا من المخرج طرح تصور جديد للتمثيل، ولا هو مطالب بابتكار قواعد بديلة في تقنيات اللعب المسرحي، على أساس أن كتابة "ما بعد المسرح" ترفض أن تتخندق في إطار المذهبية، أو أن تتأطر في التصنيفات الأجناسية، كما أنها لا تعترف بالتصورات الاخراجية المؤثرة. إنها لا تقر بأية مرجعية خارجة عن مرجعيتها الذاتية. وهو ما يقود بالضرورة إلى:
- << إفساد المثل الأعلى التي نهضت عليها قيم الحداثة
بـ- تقويض مكونات السرد المختلفة وإقامة صراعات وتصادمات بينها
جـ- بلورة تصورات تشكك في كل الحدود والممكنات
د- السعي إلى تقويض السعي نحو تحقيق الثبات والاكتمال بصورة نهائية.>>(24)
الشخصيات الخمسة عجزت عن بلوغ درجة معينة من التواصل فيما بينها على الرغم من الرابطة الأسرية التي تجمعها (الجد، وابنه المساعد الاجتماعي والحفيد)، وعلى الرغم أيضًا من علاقة الأبوة والزواج (ونجمة الإغراء ابنة المساعد الاجتماعي، وعالمة الحشرات زوجة المساعد الاجتماعي.) انتهت الحرب لكن تداعياتها تركت آثارًا مدمرة، وندوبًا غائرةً تتبدّى في تصرفاتها وردود أفعالها. فهي كائنات مهزومة منهارة؛ وهو ما يفسر حالات الإحباط والانهيار (انتحار زوجة المساعد الاجتماعي). لقد وجدت نفسها عاجزةً عن استيعاب ما جرى، قاصرةً عن تَبَيِّنِ ما يجري، وفاشلةً في استشراف ما سيجري، واكتشفت متأخرًا أن القيم والمبادئ التي حاربت من أجلها كانت مجرد أوهام:
- الجد المجنّد، جندي مسن متقاعد، فَقَدَ ذاكرته في أثناء أسره في معارك سابقة. ما يزال يتوهّم أن الحرب ما تزال قائمة. يعاني من انزلاق طاقم أسنانه الاصطناعية من فاهه كلما همّ بالكلام:
<<(يزعق بأعلى صوته) أيها الجنود الأشاوس... اخترقوا أحزمة العدو... هيا يا رفاق السلاح.. تقدموا (يلقي بقنابل يدوية وهمية بعد انتزاع فتيلتها بأسنانه) هيا يا رفاق السلاح تقدموا (فجأة ينزلق طاقم أسنانه الاصطناعي من فمه فيلتقطه ويرجم به المساعد الاجتماعي ثم يزحف نحو المكتب) أكرر تقدموا..>>(25)
بـ- المساعد الاجتماعي ابن الجد المتقاعد، شخصية انتهازية، لئيمة، عاجزة عن التواصل مع الآخرين على الرغم من وسائل الاتصال المتاحة. يدير ما يعتبره مكتبًا للمساعدة الاجتماعية، مختص في الرد على مكالمات الأشخاص المفلسين والمنهارين الذين نال منهم الإحباط، واستبد اليأس، وما من خلاص لهم سوى الانتحار. يوصف بأنه ثرثار، سافل، سادي وفاقد للحس الإنساني. يتاجر بمآسي الناس وآلامهم. الاستشارة الاجتماعية ليست سوى قناع لساديته المرضية للانتقام والتلذذ بدفع الآخرين إلى الموت. <<قبل أن تُقَّدِّموا أنفسكم قرابين لمقصلة الموت.. اتركوا لنا كلماتكم الأخيرة.. كلمات تضيئون بها عتمة هذا العالم المتهالك.. أتركوا لنا بقاياكم.. وصاياكم.. شظاياكم.. عشقكم الأبدي للغياب.. دعوا الحروف الثائرة تنساب من ثقوب ذاكرتكم كالشلال.. كالإعصار... كالطوفان...>>(26)
وعلى الرغم من كونه (المساعد الاجتماعي) ابنًا للجد المجند، فإن العلاقة بينهما تشوبها مشاعر التبخيس والكراهية والتحقير:
<<الجد المجند: (يوجه البندقية الخشبية نحو المساعد الاجتماعي) مكانك أيها الخنزير البري ... ضع ذراعيك خلف رأسك... وإلا حوّلت جسدك إلى قنوات الصرف الصحي.>>(27)
<<المساعد الاجتماعي: (مهددا أباه) إذا لم تهدأ سأشحن جثتك بالصعقات الكهربائية الجحيمية (يصرخ في أذنه) أكرر... سأشحن جثتك بالصعقات الكهربائية.>>(28)
جـ- المجند الحفيد ابن المساعد الاجتماعي، عاد من الحرب على كرسي متحرك بعدما فَقَدَ إحدى رجليه. فاشل، جبان ومنهار نفسيا، يعاني من الشعور بالاحتقار الذاتي والتفكير في الانتحار<< وأنينهم (الأسرى) ما زال يشق مخيخي ( يترك الكرسي المتحرك ويمشي على رجليه الاصطناعية. ثم يتخلص من ملابسه ليظل عاريا إلا من تبانه الضيق الذي يستر عورته وهو يصرخ في وجه الجد المجند) هيا يا جدي اجلدني بالسياط.. قلت لك اجلدني... هذا أمر عسكري.>>(29)
- باحثة مختبرية في علم الحشرات زوجة المساعد الاجتماعي، تعيش يوميا بين الديدان والدبابير والبزاقات والحشرات المقززة في مختبرها البيولوجي لابتكار حشرات اصطناعية ذات قدرات تدميرية هائلة. امرأة فاقدة للأنوثة، ضخمة الجثة، أكولة، غَيْرَتُها قاتلة. لا تتورع عن تهديد زوجها بالقتل إن هو فكر يوما في هجرها.
<<عالمة الحشرات: أنت الذي أصررت على الاحتفال بزفافنا في اليوم العالمي للانتحار. اِسمع أيها السلوقي.. الليلة سأتزوجك.. ولو أقدمتْ البشرية جمعاء على الانتحار الجماعي...>> (30)
هـ- نجمة الإغراء، ممثلة سينمائية، ابنة المساعد الاجتماعي، مدمنة مخدرات وخمور. أصيبت بتشوهات في وجهها جراء انفجار لغم أثناء التصوير لمشاهد في مناطق النزاع. تعيش حالة انفصام بعد أن تاهت بين شخصيتها الحقيقية وشخصية سينمائية خيالية. <<أعلنتُ حالة طوارئ قصوى بعد اشتباكي مع شخصية سينمائية اختطفتني مني ومن الناس ومن العالم... إنها شخصية مذهلة... لقد انصهرت مع هذه الشخصية حد الذوبان والحلول في روحها.. لدرجة أني أفكر فعلا بالتقدم ببلاغ رسمي لدى مصالح الشرطة للبحث عني.. بعد أن تاهت مني شخصيتي الحقيقية. >>(31)
- القوالب المسرحية في "حشرة القلاّس"
- القالب الأول: التراجيكوميدي، الكوميديا السوداء
لا نكاد نلمس فرقًا واضحًا بين مصطلحي "التراجيكوميدي" و"الكوميديا السوداء"، فدلالة كليهما واحدة، على الرغم من كون الأول ذا تركيب مزجي. فدال "الكوميديا" "الكوميدي" لا يراد بها الفكاهة والتسلية والامتاع والترفيه عن النفس. <<التراجي-كوميدي هو نوع مختلط، يُجيب على ثلاثة معايير أساسية: الشخصيات تنتمي إلى الطبقات الشعبية والبرجوازية، ماحية بذلك الحدود بين الكوميديا والتراجيديا. الفعل الدرامي الجدِّي، والدراماتيكي حتى، لا يوصل إلى كارثة، والبطل لا يموت فيها. الأسلوب يعرف "صعودًا وهبوطًا": لغة التراجيديا الرفيعة المستوى والفخمة، ومستوى الكوميديا اليومية أو البذيئة.>> (32) فنحن إذن بصدد مفهوم مركب، ومنفلت وغير قابل للحصر. وإذا كان لكل من التراجيديا والكوميديا نظريتها الخاصة؛ فإن التراجيكوميدي لا نظرية لها، وكل ما في الأمر اجتهادات تنظيرية ودراسات نقدية رافقت موجة الكوميديا السوداء سعيًا إلى استجلاء خصوصية التقنية المسرحية، والشكل الجمالي، والآليات الفنية، والتفعيل الحركي على الركح.
من حيث التيمات، يشهد ريبرتوار الكوميديا السوداء مفارقة الجنون والقسوة الألم (التراجيديا) والضحك والسخرية الفظة Grotesque، والتفاعل الكيميائي بينهما يولد حالة هذيان كاريكاتورية (ضحك كالبكاء). فهي هزل ساخر، وهجاء مقذع في قالب جدي. موضوعها التابوهات المحرمة ثقافيا واجتماعيا. إنها كوميديا فاضحة لما تواطأ الجميع على التستر عليه كالانتحار، الجنس، الخيانة الزوجية، الموت، المخدرات، الحرب... تجعل المرء مفضوحًا أمام المرآة، مرآة الكوميديا السوداء التي تعري فيه ما دأب على اعتباره مسكوتًا عنه. وهو ما يتفجر مدًّا جارفًا من الألم في شكل نوبات هيستيرية من الضحك. إن الأمر إذن يتعلق بدراما على درجة من القسوة، تتعمد عن قصد استحضار مشاهد صادمة تستهدف إثارة مشاعر النفور والتقزّز، وتتبنّي لغة غامضة قوامها التناقضات والعجز عن التبليغ، وتوريط القارئ/المشاهد في وضعيات سيكولوجية صادمة غير مهيأٍ للتفاعل معها، وضغوط نفسية من الصعوبة تقبلها:
- المثال الأول: في مواجهة بين الجد والحفيد المجندين:
<<الجد المجند: (يسرع ويلتقط الوسام من الأرض ثم يقدم التحية العسكرية للحفيد المجند) أوامرك سيدي الجنرال.. سأقوم فورًا بتلميع وسامك العسكري الشرفي (يشرع في البصق على الوسام ومسحه بكمه، يكررها بطريقة كاريكاتورية.)
الحفيد المجند: نعم يا جدي.. اِبصق على وسام بطل المسالخ والمجازر.
الجد المجند: (منهمك بجدية عسكرية في البصق على الوسام قبل مسحه بأكمامه)
الحفيد المجند: (يقترب من الجد بكرسيه المتحرك) بل أبصق يا جدي على وجه بطلكم الذي كان يعلق أسرى الحرب كالنعاج
الجد المجند: (يقدم له التحية العسكرية بانضباط صارم) أوامرك سيدي الجنرال.. سأبصق على وجهك (يبصق على وجهه ثلاث مرات متتالية بسرعة كاريكاتورية ثم يقف كالصنم رافعا التحية العسكرية.)
الحفيد المجند: نعم.. ابصق يا جدي على قناع بطلكم المزيف.
الجد المجند: (يقدم له التحية العسكرية بانضباط صارم) أوامرك سيدي الجنرال.. سأبصق على قناعك المزيف.>>(33)
بـ- المثال الثاني: في حوار عبر الأثير للمساعد الاجتماعي مع ميؤوسَيْنِ منهما:
<<المساعد الاجتماعي: آلو... هنا المكتب المختص في الرد على الحلات المقبلة على الانتحار (ينصت وهو يتمخط أنفه) أنت الآن في حديقة الحيوان.. وستلقي بنفسك في بحيرة التماسيح.. جميل.. هل تعرف السباحة؟ جميل لا تعرف.. هل ستقفز بثيابك أم بالمايوه أم أملط؟... لا تقل لي بأنك ستكشف عن عورتك أمام إناث التماسيح العفيفات الطاهرات... يفتعل قهقهة باردة وهو ينصت في السماعة) لا تغضب.. نعم أنت محق.. لساني قديدة متعفنة.>>(34)
<<المساعد الاجتماعي: (يرفع سماعة أحد الهواتف) آلو.. هنا المكتب المختص في الرد على الحالات المرشحة للانتحار(ينصت) ماذا.. أنت الآن تستعد لشنق نفسك بعدما ذبحتَ زوجتَك وكلبتها المدللة (يضع كفه على السماعة مخاطبا ابنه الذي ما يزال ينظر إلى الفراغ) لقد ذبح زوجته وكلبتها المدللة ذَبْحَ النعاج.. من الوريد إلى الوريد (يعود للمكالمة) آلو زوجتك لم تمت بعد.. ما زالت جثتها تترنح وتنتفض وتتمطط (يضع كفه من جديد على السماعة مخاطبا ابنه) جثة زوجته ما زالت تنتفض كالدجاجة المذبوحة (يعود للمكالمة) آلو.. اسمع؛ حاول أن تؤجل عملية الشنق حتى تلفظ دجاجتك أنفاسها الأخيرة.. عفوا أقصد زوجتك (ينصت في الهاتف) ما دمت مصمما على الانتحار فورًا اِسمعني يا صديقي جيدا (بخشوع وشاعريته المفتعلة المعهودة) قبل أن تقدم نفسك قربانا لمقصلة الموت.. أُتْرُكْ لنا كلماتك الأخيرة.. كلمات تضيء بها عتمة هذا العالم المتهالك.. أترك لنا بقاياك.. وصاياك.. شظاياك.. عشقك الأبدي للغياب (يصرخ في السماعة) لا تفعل.. اِنتظر.. الغبي.. لقد انتحر قبل أن أتمم إلقاء خطبتي الرسمية (مخاطبا ابنه) كان الجيل القديم من المنتحرين يحترمون خطبتي الرسمية.. لكن هذا الجيل لا يحترم أحدا.>>(35)
إذا اعتبرنا أن موضوعات الكوميديا السوداء تتخذ من الطابوهات والمحرمات موضوعات لها فهي في هذه الحالة كوميديا كروتيسكية، فاضحة، تنهض على القبح المنفّر والوحشية السوداء كأداة ووسيلة للتعبير عن سخافة العالم (بطولة زائفة تقوم على ذبح الأسري وسلخهم (المثال أ))، وقسوته ولامبالاته وأنانيته وغروره وفظاعته في إطار درامي يعتمد الضحك الهيستيري الذي يعري مشاعر القهر والقمع المكبوتة في أغوار اللاوعي، تتمظهر في شكل إسقاطات مرضية مازوشية (الرغبة الجامحة في إهانة الذات: (الحفيد المجند يلح على جده المجند أن يبصق على وجهه))، وسلوك مرضي سادي يتجلى في التلذذ في إلحاق الأذى الآخر (ذبح زوجته وكلبتها المدللة ذبح النعاج)
تلجأ الكوميديا السوداء إلى اعتماد المبالغة المقصودة في تصوير الشخصيات، بحيث تبدو خارج المألوف، مثيرة للقرف والاشمئزاز، ومشاهد تنبو عنها العيون؛ ولكن رسالتها هادفة وبليغة، وقادرة على بث الوعي ومحو آثار الوعي الزائف المتمثل في الإيديولوجيا السائدة. وتتبدّى بلاغة خطاب الكوميديا السوداء في تبنيها الإثارة والإقحام. إثارةٌ لجذب انتباه المتلقي من خلال الإبقاء على اليقظة الذهنية، وإقحام مقصود لتوريطه فيما يجري أساس أنه معني باتخاذ موقف، وتحفيزه على التساؤل وطرح السؤال. وفي هذه الحالة، فالعرض المسرحي في الكوميديا السوداء يستهدف وعي المتلقي وأفق انتظاره باعتباره طرفًا مباشرًا في صياغة الحدث انطلاقًا من فضائه الدرامي الخاص، ومساهمًا في بناء العرض من خلال ردود فعله أثناء العرض وبعده.
ما يميز الكوميديا السوداء عن الكوميديا نفسها، أن خطابها يرتقي عن الابتذال إلى مستوى كوميديا المواقف، فالجمع بين الكوميديا والتراجيديا، والانتقال الفجائي من أحدهما إلى الآخر ليس سوى تعبير عن الشعور المأساوي الملازم للذات الإنسانية بروح الدعابة الهادفة والسخرية الصادمة. وهذا التلازم بين الفكاهة والمأساة إنما هو موقف من الواقع من جهة، وفضح للزائف من جهة ثانية.
بـ - القالب الثاني: العجائبية
بـ أ -الفصل فيما بين العجائبية والغرائبية من اتصال واختلاف
ما يجمع الغرائبي والعجائبي يتمثل في كونهما يستمدان موضوعاتهما من المتخيل الأسطوري والفلكلوري، من اللاواقع واللامرئي، وأنهما يتداخلان إلى حد التمازج في عديد الأعمال الإبداعية إلى الحد الذي بصعب التمييز بين هذا وذاك. غير أن إمكانية التمييز بينهما متاحة إذا اعتبرنا أن "الغرائبي" يرتبط بالزمان والمكان. والمألوف في بلد ما قد يعتبر غريبًا في بلد آخر.
أما العجائبي فإنه يتخطى الزمان والمكان على أساس <<أنه يحيا حياةً ملؤها المخاطر، وهو معرض للتلاشي في كل لحظة.>>(36) إنه سرد خارق يقتضي بالضرورة القبول بقوانين جديدة للطبيعة يمكن بواسطتها تعليل الظواهر الموصوفة. كما أن العجائبي ُيلزم المتلقي بحتمية إيجاد تفسير للخارق، فيكون أمام ضرورة اتخاذ قرار حيال حدث أو شخصية يتجاوزان الواقع والزمن الحاضر إلى زمنين مجهولين غير مرئيين: الماضي والمستقبل؛ ممّا يجعل المتلقي متردّدًا وفي حيرة من أمره في التعامل مع حادثة أو شخصية غير طبيعية بمنطق طبيعي وتفسير عقلاني.
بـ بـ - العجائبي الدلالة والمفهوم
إننا بصدد مفهوم يحيل على كل ما هو مدهش ومثير، له تجليات في النتاجات الإبداعية السردية على الخصوص. <<رؤية مغايرة تقدم تحولا في العلائق مع الطبيعة وما فوق الطبيعة، مع الذات الخفية ومع الآخرين، ومثل هذا التحول مع الواقع واللاواقع... ومثل هذا التحول على مستوى بنيات المجتمع، هو الذي يبرر التحول من متخيل "سائب" إلى جنس تخييلي يسنده وعي ولغة متميزة وتيمات تستكشف المجهول وتوسع من دائرة الأدب>>(37)
هوامش:
22 - نفسه، الغارة الأولى، ص16
23 - نفسه، الغارة الأخيرة، ص52
24 - نك كاي، ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، مرجع مذكور، ص31
25 - كريم الفحل الشرقاوي، حشرة القُلّاس، الغارة ألأولى، مرجع مذكور، ص14، 15
26 - نفسه، الغارة الأولى، ص12، 13
27 - نفسه، الغارة الأولى، ص14
28 - نفسه، الغارة الأولى، ص15
29 - نفسه، الغارة الخامسة، ص45
30 - نفسه، الغارة الأخيرة، ص47
31 - نفسه، الغارة الثالثة، ص30
32- Patrice Pavis, Dictionnaire du Théâtre, Editions Sociales – Paris 1987, P 423
33 - كريم الفحل الشرقاوي، حشرة القلاس، الغارة الخامسة، مرجع مذكور، ص44، 45
34 - نفسه، الغارة الأولى، ص11، 12
35 - نفسه، الغارة الخامسة، ص42، 43
36 - تزفتان تودوروف، مدخل إلى الأدب العجائبي، ترجمة الصديق بوعلام، تقديم محمد برادة، دار الكلام- الرباط، ط1- 1993، ص65
37 – تزفيتان تودوروف، مدخل إلى الأدب العجائبي، مرجع مذكور، ص4
العلم الثقافي - الخميس 25 يناير 2024