التنوع والتعدد باعتبارهما جوهرًا وجوديًّا مغربيا

     المسرح المغربي  واحد ومتعدّد

 

         بقلم: الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم 

1 - على سبيل البدء:

   ما ينفرد به المجتمع المغربي بالقياس إلى المجتمعات العربية المشرقية هو التنوع الثقافي والتعدد اللغوي واللهجي. تنوع وتعدد ذوا مستويين عمودي وأفقي، يؤكد فرادة الخصوصية الثقافية واللغوية في المغرب. وهو تفرد أنتجته الهويات الثقافية المتنوعة في صيرورة تاريخية حافلة جعلت أرض المغرب مقصد هجرات متوالية، وملجأ جماعات بشرية ناشدة الأمن والأمان. وقد تعاملت الدولة المغربية بتدبير يعكس مفهوم التعدد، ويحافظ على التنوع اللذين يشكلان مقومات الهوية الثقافية المغربية. وهو مفهوم يتأسّس على احترام الاختلاف الثقافي واللغوي والإثني في إطار هجين تتفاعل في بوتقته كل المكونات لتنصهر في تعاقد اجتماعي يمتح من التراث بشقيه المادي (المنتوج والتراث الثقافيان)، واللامادي (كل ما هو شفاهي موروث: عادات وتقاليد)، ويتغذّى من الانفتاح على محيطه تجاوزًا للتنميط والتحنيط، ويتفاعل مع الآخر تذويبًا للحواجز في نسيج مجتمعي <<منفتح على الهوامش المحايثة والمنسية بهدف التأكيد على الكيان المغربي المتعدد عوض كونه ثابت، واحد، خالص، وماهوي.>>[1]

 

2 - التنوع والتعدد باعتبارهما جوهرًا وجوديًّا مغربيا:

   تمثل الروافد المُشَكِّلَةُ للهوية المغربية رهانًا تعاقديًا للدولة المغربية، رهان يتبدّى في اعتبار التعدد اللساني والتنوع الثقافي قاعدة ًمؤسِّسةً للمجتمع وللدولة، ورابطةً موحِّدةً ومُدمِجة في هجنة إثنوثقافية تتحدد ملامحها في التمازج باعتباره جوهرًا وجوديًّا ميز المجتمع المغربي على مر العصور، وشكل على الدوام تلك المناعة المضادة للتصدع، والمُقاوِمة للتّفتت من الداخل، وضَمِنَ استقلالية وهيبة الدولة المغربية في الخارج. إن الأمر يتعلق بهوية مغربية؛ واحدة وموحدة في إطار التعدد والتنوع.

   إن مفهوم الهوية الثقافية المغربية يتأسس على نسق معطى يتحقق بموجبه تطابق وانسجام بين الذات في علاقتها بالهوية والثقافة والمجتمع. إنه مفهوم التفاعل والتمازج والانفتاح على الآخر، وتتحول الذات بمقتضاه إلى "أنا" حاضرة ومؤثرة باعتبارها "كائن" اجتماعي له فعاليته وفاعليته، وله وجود واع  ومعترف به داخل الجماعة. إنه اعتراف للذات يُضفي عليها دلالة اجتماعية، وتتحول الجماعة - تبعًا لذلك- إلى مجموعة من الذاوت المنتجة والمساهمة في صنع التنوع والتعدد داخل النسق الثقافي والمجتمعي المغربي العام، تتماهى فيه كل الذهنيات في نطاق علاقة دياليكتيكية بين الخاص والعام.

   وهي الحالة التي مثلت هاجسًا توجّست منه العديد الدول-الأمم ذات التعدد الإثني واللغوي، واضطرت معه إلى محاولات تهميش مكوِّنٍ أو أكثر من مكونات نسيجها الاجتماعي، أو محاولة محوه بدعوى حماية الخصوصية الوطنية. ولعل أبرز مثال، هو ما سعت إليه أغلب الدول الأوربية انطلاقًا من الإيديولوجية الاستعمارية والعقلية الكولونيالية الاستعلائية في إنتاج مفاهيم، وصياغة قوانين ظاهرها المساواة والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وباطنها إرساء تراتبية عرقية عنصرية تبيح علائق القوة المهيمنة بين لغاتها وثقافاتها، ولغات وثقافات نظيراتها الدول المستعمَرة؛ وهو ما ولَّد مشاعر الدّونية في أنا (الهامش) حيال الآخر(المركز)، وكرّس عقدة النقص في ذواتها ولغاتها وثقافاتها وتراثها وموروثها الثقافي.

 

3 - المسرح في الأبعاد السبعة للهوية الثقافية المغربية:

 إن أهمية الثقافة الشعبية المتمثلة في الفلكلور والأشكال الاحتفالية ذات التعبيرات الكلامية والجسدية والميمية تكمن في كونها تختزل الذاكرة الشعبية، وتُجسّد الخصوصية المحلية المتوارثة جيلا بعد جيل. وهي أفضل وسيلة للإفصاح عن الذات وعن الوجود في العالم، وتمنح الفرد والجماعة الحق والقدرة على التفكير والنقد وتأكيد الذات. <<إنها ثقافة عضوية تعبر عن هموم الشعب. وهي بمثابة سلوك سوسيولوجي منبثق من البيئة الاجتماعية التي تنشأ فيها الحيوات والهويات والذوات. كما أن هذه الثقافة بمعانيها وأفكارها ورموزها هي التي تشكل ذهنية الفرد.>>[2] وبالنسبة للمغرب، فأهميتها تنبع من كونها تمثل رأسمالا رمزيا يحيل على:

أ - تعاقب حضارات: البونيقية، الفينيقية، الوندالية، القرطاجنية، الرومانية، الإسلامية والأوروبية.

بـ- تمازج إثنيات: الأمازيغية، العربية والإفريقية.

جـ- تفاعل ثقافات: الأمازيغية، العربية، الحسانية، العبرية، الإفريقية، الأندلسية والموريسكية.

د- وتوافد أديان: اليهودية، المسيحية والإسلام.

 وهذا التعدد الهوياتي يمثل فسيفساء تلاقحت في إطاره هذه الروافد إلى حد الانصهار، بالرغم من الاختلاف البيّن الذي يسم هذه الثقافة عن تلك. وهو ما نلمسه بوضوح في التقاليد والطبائع والأطباق واللباس والمعمار والعمران؛ ففي هذه الخصوصية يكمن سر الغنى الثقافي، والتميز الحضاري.

   وقد تجسد هذان الغنى والتميز في الممارسة المسرحية المغربية، انطلاقًا من القناعة التاريخية بأن المغاربة الأولون عرفوا الفن المسرحي منذ أزمنة سحيقة، وتفاعلت في نطاقه أشكال فرجوية أصيلة تؤكدها الحقائق التاريخية إلى حد اعتبار <<المسرح المغربي واحد ومتعدد، وفي نفس الوقت متأرجح بين الهوية والاختلاف، الأنا والآخر، الإنية والغيرية؛ وكما يقول هيدجر: إن الذات هي مأوى الهوية والاختلاف.>>[3]

وكنموذج لهذه الممارسة نورد ثلاثة أمثلة لكل من الفرجات المسرحية الأمازيغية والعربية، التي نعتبرها تجسيدًا للتنوع الثقافي والتميّز الفني والخصوصية المحلية، وتأكيدًا على العراقة والأصالة والتجذّر في البيئة المغربية، مع استحضار محاولات التأسيس في المسرح الحساني، متمثّلاً في تجربة فرقة "بروفا للفنون المشهدية".

أ - الأشكال الفرجوية الأمازيغية: المغاربة الأولون عرفوا المسرح. وينقل الأستاذ عثمان الكعاك عن (شوتان) في كتابه "المسرح البربري"، وعن (ياسي) في كتابه "الأدب البربري" <<ما يدل على أن المسرح البربري الناطق والراقص والغنائي سابق على المسرح الروماني؛ بل إن هذا المسرح شاهد عصوره الحية بعد مؤلفات (تيرنتيوس) القرطاجني، كما يعد أعظم مسرح روماني من بناء الإمبراطور (غورديانوس) المنحدر من أرومة إفريقية حسب ما ذكره (منصو) في كتابه "الأفارقة").>>[4]

وعلى الرغم من بقاء الأمازيغ تحت السيطرة الرومانية لحقبة طويلة، وتأثرهم بنمط العيش الروماني، وإعجابهم بالفنون والثقافة الرومانية، إلا أنهم حافظوا على شخصيتهم المستقلة، بدليل أنهم في العصر الإسلامي استعاضوا بما ورثوه عن الرومان بتراثهم وموروثهم الاحتفالي المتمثل في التعبيرات الدرامية مثل الغناء والرقص والحكي والمبارزات الشعرية. وهو ما يؤكده حسن المنيعي في كتابه الرائد "أبحاث في المسرح المغربي" بقوله: << وأخيرًا مهما كانت التأثيرات التي يحمل الأمازيغ تبعتها أمام الحضارات المستوردة إلى أفريقيا الشمالية، فمن الواجب أن نقر بأن تمثل هذه الحضارات لم يكن عميقًا، لأن الإسلام هو وحده الذي استطاع أن يؤثر فيهم. لذا نرى أنه لو عرف الأمازيغ المغاربة "الفن المسرحي" حقيقة؛ فإنهم قد ابتعدوا عنه بعد رسوخ الدين الإسلامي. ومع ذلك، فقد لوحظ عندهم بقاء بعض التقاليد الفنية الناتجة عن تقديس الشعر.>>[5]

ويذكر التاريخ أن من ألمع شخصيات المسرح الأمازيغي <<(يرونس) المولود في طنجة سنة 190 ق.م، والمتوفى  150 ق.م في روما. وقد انتقى منه موليير وشكسبير، وبالأخص ( (Phormion لموليير. ولدينا (7) مسرحيات من إنتاجه، كتبت باللغة البربرية القديمة، وهي:

  1. Andriènne
  2. L’ennuque
  3. Hisseria
  4. المعذب نفسه
  5. Phourmion
  6. الأخوة
  7. البخيل.>>[6]

على مستوى الأشكال الاحتفالية الأمازيغية، نورد ثلاث فرجات:

أ أ-  فرجة "تسكيوين": <<رقصة حربية رجالية، الراقصون يرتدون أقمصة، وعمامات بيضاء. على أكتافهم أوعية البارود، وهي المسماة "تسكيوين" يسجلون بخطواتهم إيقاعاتهم على دقات الطبول وهم تارة جنبًا إلى جنب، وتارة أخرى واحدًا تلو الواحد. يضربون أحيانًا على التعاريج، وأحيانًا يصفقون بأيديهم ويقومون بحركات بأجسامهم يتبعها وقوف جماعي تسجله الأرجل في حركة واحدة في منتهى الدقة والروعة.

   وهي رقصة ترمز إلى الحرية والقوة والرجولة، ولا تتسم بأية حركة اصطناعية، حركاتها الرياضية لا تفقدها قيمتها الفنية المتميزة.>>[7]

أ بـ- فرجة "تسنت"(الملح): <<الملح نسبة لاسم القبيلة التي تبعد بخمسين كيلومتر تقريبًا من مدينة أكادير، وهي عبارة عن رقصة يقبل الرجال والنساء على تعاطي هذه الرقصة مختلطين مندمجين، وهم يرتدون أزياء زرقاء وكأنهم مقبلون على الاحتفال بإحدى الشعائر القديمة، وربما كانت هذه الرقصة في الحقيقة إحدى الشعائر العتيقة، إيقاعاتها خفيفة تعمد على البطل الذي يحمل آلة موسيقية مجلدة من الجهتين مجوفة الوسط، ينقر عليها بواسطة عصًا كبيرة الحجم.>>[8]

أ جـ- فرجة "تامواشت": <<عبارة عن حوار غنائي وأدبي واجتماعي الموضوع، بطيء النغمة والوزن... يجري بين العزاب والعازبات... في قرى جبال الأطلس، يترجم الواقع الاجتماعي... ويتم هذا الحوار تحت ضوء القمر في ليالي الصيف... حيث تجتمع الفتيات في سطح إحدى الصديقات أو في مكان مناسب في وسط الدوار، والفتيان يجتمعون في البيدر أو في مكان مناسب مرتفع غير بعيد من الدوار... كل مساء يتناظر الفريقان بشعر رائق... في أوزان خاصة، وألحان متنوعة، وقد يكون الموضوع قصة حب بين اثنين وقد يكون هجاءً... يجلس الآباء والأمهات على مشارف سطوح منازله يتتبعون باهتمام بالغ وحماس كبير ما يجري بين الفريقين من حوار ومحاججة... هكذا يستمر الحوار بين الفريقين طيلة أيام الصيف كموسم اجتماعي فني غير معلن.>>[9]

 

بـ - الأشكال الفرجوية العربية:

بـ أ- الحلقة: من الفرجات الشعبية الأكثر شهرة في الاحتفالات الشعبية المغربية. ازدهرت في الساحات العمومية في المدن التاريخية خصوصًا (فاس، مكناس ومراكش) وما تزال. وهي عبارة عن شكل دائري يتوسطه منشط راوٍ أو أكثر يتناوب مع مساعده على قَصِّ سِيَرٍ وحكايات وأيام بطولية اعتمادًا على  قدراته التعبيرية، وموظِّفًا مهاراته الاستعراضية في التشخيص والإيماء والحوار المباشر مع مساعده، وأحيانا مع الجمهور مباشرة. ويمكن اعتبار "الحلايقي" ممثلاً بارعًا في الأداء، وبراعته حقًّا تكمن في طاقته التي لا تنضب على الارتجال، كلما ازداد عدد المتفرجين سعيا وراء شد انتباههم وضمان بقائهم. وعلى الرغم مما اصطلح عليه "هنري ديكير" بـ "الخيال الفوضوي" الذي يسم أداء الراوي، إلا أنه يحقق المبتغى لمشاهدين متشوقين، ومعجبين برصيده التخييلي الهائل، <<بحيث يطلق العنان لمخيلته، فيبتكر الأحداث في الحين، ويغوص في مغالق من الآراء يفكها بكل سهولة، ويجعل أبطاله يقومون بأي شيء كان ولو أنه شيء لا منتظر.>>[10]

بـ بـ- البساط: شكل احتفالي مغربي أصيل اقترن وجوده أول الأمر بالقصور ودور الوزراء والحكام.  وأول عرض من هذا الشكل الفرجوي العريق قُدِّم في حضرة السلطان محمد بن عبد الله (1757-1790). وقد ارتبط "البساط" بدار المخزن بهدف التسلية والترفيه، ولكنه كان وسيلة من السلاطين العلويين للاطلاع على شكاوى الرعية من استغلال نفوذ بعض الخدام، وعلى أحوالها الاجتماعية والمعيشية. و<<العديد من المصادر التاريخية تعتبره من آثار المسرح الروماني، الذي عمّ بعض المدن المغربية (شالّة، وليلي، لكوس وطنجة) في العصور الخوالي. ويظهر ذلك من خلال تشابه بفن "لكوموس" الإغريق، المعتمد على المحاكاة، والرقص والغناء والفكاهة واللهو، وعلى الارتجال في تشخيص أعقد القضايا والمشاكل الاجتماعية والسياسة التي تهم الجمهور العريض.>>[11] وواضح أن دلالة "البساط" تدل على المكان المنبسط الذي تجري فيه العرض. وقد اشتهر مشخصو البساط  بلقب: "المسيّح"، "البوهو" (الشاطر).

بـ جـ- سلطان الطلبة: من أغرب الأشكال الاحتفالية التي لا توجد في أي مكان آخر. وغرابته في كونه لا يُعرض في مكان محدد، وتستغرق فصول عرضه أسبوعًا كاملاً من (15 أبريل إلى 22منه). وهو احتفال سنوي عبارة عن تمثيلية هزلية تقام مشاهدها خارج المدينة في وادي فاس. تبدأ بانتخاب طلبة القرويين لطالب لامع يؤدي دور السلطان. وتنتهي فصولها بطرده والتنكر له وتذكيره بأنه سلطان مزور بعد أن يكون هو قد بادر إلى إقالة مقربيه من المستشارين والوزراء وكبار موظفي حاشيته.

       وتعود أصول الفرجة إلى عهد السلطان مولاي رشيد (1666- 1672) الذي استعان طلبة القرويين للقضاء على أحد معارضيه في تازة، ولما استتبّ له الأمر كانت مكافأته لهم حفل "سلطان الطلبة".

    وجدير بالذكر أن تجربة سلطان الطلبة لا تعتمد على نص مسرحي، ولا على تداريب ركحية؛ بل تعتمد على الارتجال في الأداء. بهذا المعنى فنحن بصدد اكسيسوارات ورهط من الممثلين الذين يشخصون أدوارًا معينة المثير فيها هي الألبسة. وترسيخاً لهذا الشكل الاحتفالي باعتباره فرجةً فريدةً في طقوسها، بادر المخرج الفنان المرحوم الطيب الصديقي إلى إنجاز مسرحية "سلطان الطلبة" اعتمادًا على نص أعده عبد الصمد الكنفاوي.

 

جـ - الأشكال الفرجوية الحسانية باعتبارها محفِّزا في التأسيس لمسرح بخصوصيات صحراوية:  يعتبر   المسرح الحساني مكونًا أساسيًّا من مكونات الثقافة الحسانية التي تعتبر بدورها واحدةً من أهم الروافد الأساسية المُشَكِّلَةِ للثقافة المغربية. لكنه كتجربة، ما يزال في طور التشكل على مستوى الكتابتين النصية والعرْضية. كما أنه يسعى جاهدًا إلى البحث عن موطئ قدم في المنظومة الثقافية الحسانية التي يغلب عليها الشعر والغناء والحكي. وإذا كان من الصعب تحديد البدايات الأولى للمسرح الحساني؛ فإن عراقة الأشكال الاحتفالية الصحراوية تشكل حافزًا للمسرحيين في التعريف بالتراث المادي اللامادي في الأقاليم الجنوبية، وفي إبراز الانتماء الثقافي الذي يعكس الخصوصية الصحراوية والقيم البدوية، وفي المساهمة في إغناء النسيج الثقافي المغربي.

        إن عملية التأسيس لمسرح مغربي حساني يقتضي البحث في الوسائل المناسبة والمكونات الفنية الملائمة من أجل تقريبه من المتلقي عبر ربوع الوطن وخارجه، لبلوغ درجة الإقناع الجمالي وتحقيق متعة التفاعل الإنساني. ولنا في تجربة فرقة "بروفا" نموذج جدير بالإشادة.     

جـ أ- "حاسي بلا كعر" لفرقة "بروفا للفنون المشهدية" الصحراوية:

        تتعلق تيمة المسرحية بسعي شابين إلى البحث عن مخرج بعدما وقعا في جوف نفق منهار، انتظرا عبثًا إغاثة تنقذهما، غير أن الأمل في النجاة تبدد ليستبدّ بهما الخوف من موت محقق، وهو ما جعلهما يبوحان بأسرار خفية، ويكتشفان أمورًا غريبةً داخل البئر. ورسالة العرض كانت بليغة في التعبير عن الحالة التي تنتاب الإنسان فجأةً حين يجد نفسه أعزلاً في مواجهة حتفه، معزولاً عن الآخرين.

     وقد أبان الممثلان اللذان شخصا حالة المهندسَيْن اللذين يشتغلان في الحفر والتنقيب من دون أن يتخذا الاحتياطات الوقائية عن مهارات في الأداء تستحق التنويه والتشجيع، وتبشر بأن المسرح الحساني قادر على رفع التحدي وكسب الرهان للارتقاء بالفعل المسرحي.  وهو ما يتجلى في صدى الإعجاب الذي أثاره هذا العرض لدى المتتبعين سواء في الدورة العشرين للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان، أو في مختلف المدن المغربية.

       غير أن أهم ما يدعو إلى اعتبار هذه المسرحية علامةً بارزة في المشهد المسرحي الحساني، وقيمةً فنية ًمضافةً إلى المشهد المغربي الراهن كونها حافظت على الطابع الصحراوي، واستلهمت من روح الثقافة الحسانية؛ في ذات الوقت تحررت من الطابع الفلكلوري المتسم بالغنائية.  

                             

       

إحالات:

 - خالد أمين، مساحات الصمت غواية المابينية في المتخيل المسرحي، منشورات اتحاد كتاب المغرب-الرباط، ط1-2004، ص42

2- محمد معروف، إشكالية الثقافة العالمية والثقافة العضوية للشعب: نحو مشروع لتدريس الثقافة الشعبية بالمغرب، مجلة الثقافة الشعبية-البحرين، العدد33-2021 الموقع اللإلكتروني للمجلة: www.fokculturebh.org

  • خالد أمين، مساحات الصمت، مرجع سابق، ص43
  • حسن السايح، نظرات في القصة والمسرحية في الأدب المغربي، منشورات دار الكتب العربية – لبنان، 1968، ص34
  • حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، مطبعة صوت مكناس، 1974، ص9
  • حسن السائح، نظرات في القصة والمسرحية في الأدب المغربي، مرجع سابق، ص35
  • محمد أديب السلاوي، المسرح المغربي جدلية التأسيس، منشورات مرسم – الرباط، بدون طبعة وسنة النشر، ص42
  • نفسه، ص43
  • نفسه، ص45
  • حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، مرجع سابق، ص15
  • محمد أديب السلاوي، جدلية التأسيس في المسرح المغربي، مرجع سابق، ص28