المـركز الـدولـي لـدراسـات الفـرجـة مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية في دورته السادسة عشر المؤتمر الدولي ‘Street Performances as Spatio-Temporal Hetrotopias’ "فُـــــرْجاتُ الشّـــارِعِ وَالْأَمكـِنَــــةِ الْأُخـــــــرى" طنجة/تطوان (27-28-29-30 نونبر2020- طنجة تطوان) |
بقلم: الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم
إلى أي حد يجوز الحديث عن جدلية الفرجة والمسرح؟
نطرح هذا السؤالَ الإشكاليَ على أساس ارتباطُ كلٍّ منهما بالآخر. فلايمكن الإقرارُ بالفعالية الإبداعية في المسرح من دون أن تتمثّل في فعل الفرجة. كما أن ماهيةَالفرجة لا تتحققسوى من خلال تعبيراتهاالأدائية التي تمثل رهاناً معرفياً، ومُنطلقاً للفكر النقدي. وهو ما تؤكده النظرياتُالنقديةُالتي اتخذت من الفرجة أفقاً للتنظيرللمسرح باعتباره "فعلا ركحياً "، وأسست لمقارباتٍ تأخذ في الاعتبار شعرياتِ ما بعد الدراما التي ساهمت في ترسيخ قيمِ المسرح الحديث، وأتاحتِ الإقرارَ بـ "مسرح الأداء".
1- الفرجة باعتبارها جوهرَ الأدائية:
إن الفرجة باعتبارها مجالاً مفتوحاً لبلورة تصوراتٍ معرفيةٍ ونشاطاتٍ اقتراحيةٍ تروم تعميقَ البحثِ المسرحي بالحفر الأركيولوجي في الأشكال الفرجوية التي ترتكز أساساً على الارتجال والصدفة والاثارة. يتحوّل فيها الممثل بجسده إلى إنجازٍ حركي، وفعلٍ فرجوي، وعلامةٍ أنثروبولوجية يتحطم فيها الإيهامُ البصري، ويتحقق التفاعلُ المباشروالتلقائيبين الممثل والمتفرج في الفضاءات المفتوحة،التي تتيح للجمهور هامشاً أكبرَفي التفكير والتعبير.
ميزة مسرح الأداءتتمثل في حمولته المعرفية، وخلفيته الجمالية، وأبعاده التواصلية التي تتمثل في استثمار المجالات المُشْرَعة لتمرير رسالةٍ جماهيريةٍ في طابَعِها، تثقيفيةٍ في موضوعاتها، تعليميةٍفي طرائقها، ارتجاليةٍ في أدائها. تفاعليةٍمعمختلف الخبرات الإنسانية، ومنفتحةٍ على كل الابتكارات الفنية التي في مجال الإخراج المسرحي منذ أن أصبح فنّا مستقلا بقوانينه العلمية، وقائمَ الذات بقواعده الوطيدة التي أرسى دعائمها مخرجون عظام من أمثال كرونيك ورينهاردت في ألمانيا، وأنطوان في فرنسا، وكريغ في أنجلترا، ولينسكي وقسطنطين ستانيسلافسكي ودانتشنكو وفسيفولودمايرخولد وفاختانغوف في روسيا... وبفضلهم ارتقى فنُّ الإخراج المسرحي باكتشاف الأسس الداخلية التي تحكم الفعل المسرحي، وتُبرز خاصية الخلقِ الإبداعي.
وإذا كانت فائدةُ التاريخ تكمن في أنه يحفظ ذاكرةَ وقائعَ وحوادثَ الجماعاتِ البشريةِ في الزمان والمكان، فإنه في الواقع يؤرخ للإيديولوجيات السائدة للطبقات الحاكمة التي تسعى إلى إقرار نظام ثابت في المكان ومستقرٍّ ودائمٍ في الزمان. فيمقابل هذا التكريس الإيديولوجي، يسعى الفرجوي إلى كتابة تاريخ مواز من خلال مبدأ الأسلبة. <<"فأن تؤسلب عصراً أو ظاهرةً ما يعني أن تبرزَ بجميع الوسائلِ التعبيريةِ التركيبَ الداخليَ لذلك العصرِأو تلك الظاهرةِ، وتصويرَ سماتِها الداخلية المميِّزةِ.>>1 وتلك وظيفةُ الفرجة المتمثلة في الفرجوي الذي يقدم عروضه اعتماداً على اللامألوف، وعلى بلاغة الإثارة، وعلى مبلغ التأثير في المتفرج بصرف النظر عن نوعية ومستوى التلقي. ولكي يتأتّى للعرض تحقيقُ الفرجة، وبلوغُ الشرطِ الفرجوي وجب تجاوزُ "المسرحي" الذي يجسّده النصُّ سعياً إلى إحداث صدمة بصرية، أو رجّة سمعية، أو رِدّةِ فعلٍ غيرِ متوقَّعَةٍ.ومن ثمةَ، فإن الفرجةَ تقف على طرفي نقيض مع الدراما الطبيعة المبتذلة، وتعادي بالنتيجة المسرحَ الطبيعي. وهو ما شكل الانطلاقة الأولى<<للمسرح التجريبي بريادة قسطنطين ستانيسلافسكي وفيسفولد مايرخولد حين تعاونا على تأسيس "المسرح- الأستوديو التجريبي" سنة 1905 الذي دخل تاريخ الفن باسم استوديو بوفارسكايا. ويُلَخّصُ ستانسلافسكي المبدأ الذي كان ينبغي أن يسير عليه هذا المسرح التجريبي بقولـه: "كان ضروريا ألا نصور الحياةَ نفسَها كما تجري في الحقيقة وواقِعِ الأمر، ولكن كما تتراءى لنا ونحسُّ بها غارقةً في ضباب أحلامنا.. في فترات سمونا الروحي تماما كما عرضها بألوان الزيت مصورو المدرسة الجديدة وفنانوها على لوحاتهم، وكما عبّر عنها الموسيقيون المحدثون في ألحانهم، وكما غناها الشعراء في أشعار الجيل الجديد. إن أعمالَ هؤلاء المصورين والموسيقيين والشعراءِ لا تتسم بتلك الخطوط الواضحة المُحدِّدَةِ التي تتسم بها خطوط الحياة الواقعية، إنها تَمُدُّ المتفرّجَ أو السّامعَ بخمائرِ التفكير التي لا تلبث بذورُها أن تكون خلقاً آخر وأخْيٍلَةً جديدةً من صنعه".>>2
بهذا المعنى فالفرجة تستوعب التمسرح وتتخطاه باحثةً عما هو خارق ومدهش، ولاهثةً وراء ما هو ملفت وصادم، وساعيةً ومنقبةً باستمرار عن مناطقَ بكرٍ غيرِ مأهولةٍ لاقتحامها وإعادةِ تشكليها بما يتناسبُ وتصوّرِها للحياة وللواقع وللظواهر. إن مفهوم الفرجة من الشمولية ما يجعلُه غيرَ قابلٍ للإمساك، وهنا يتبدّى النزوعُ الحداثي لمفهومها. إنه مفهومُ يرفض المذهبية، ويعلو على التصنيفات النقدية.
2- الأُسُسُ المؤطِّرةُ لمفهوم الفرجة:
لقد أدرك الفاعلون المسرحيون في البدايات الأولى للقرن العشرين أن الحاجة ماسّةً إلى انتفاضة على المسارح الأكاديمية التي مجَّدت نفسها على حد تعبير قسطنطين ستانيسلافسكي: <<في حالة من أُسْقِطَ في يده ، إذ رأت هذا الزحف الهائل المباغث>>3 إن المسرح السياسي الذي كرسته ثورة أكتوبر الاشتراكيةِ تَبَنّى التثويرَ الشاملَ لمضمون العروض وأشكالها. وقد تبنى فسيفولودمايرخولد هذا التصور وهو القائل: <<إن اندماجَ الصالة مع خشبة المسرح يكون أقوى عندما يمرُّ الشعب بأحداث جسيمة.>>4
لقد سار الفعل المسرحي بعد تجربتي مايرخولد وستانيسلافسكي في اتجاه<<تحطيم الأشكال المألوفة لمسرح العُلبة، وسَعَى نحو تنظيم الساحة المسرحية بصورة تساعد على خلق اتصال مباشر بين الممثل والمتفرج، ليتحولَ الممثل أثناء ذلك إلى ما يشبه "الخطيب"، ويصبح المتفرج مساهماً في "الحفلة الخطابية" نفسِها،>>5 وهو ما شكل تمرداً على الشكل المسرحي الكلاسيكي الذي يعكس <<صورة العالم كما رسمها الفلاسفة والأدباء في العصور الوسطى، وما بعد عصر النهضة، مما أدى إلى ظهور مفهوم جديد للواقع هو الذي تبناه مسرح الواقعية الحديثة. ويتلخص هذا المفهوم في:
أ- القبولبمبدأ نسبية الحقيقة ليحل محلَّ القيم المطلقة، الثابتة، والدائمة التي بُني عليها العالم القديم>>6
بـ- إشارة الناقد ف. و. كوفمان في مقاله الهام عن "مفهوم الحقيقة" بقوله: <<لقد اختفى المفهوم المثالي للحقيقية، وأصبح العقل الإنساني قادراً على إيجاد تفسير لكل شيء في الطبيعة، وأحل النُّظُمَ النظريةَ مثل نظرية النشوء والتطور محلّ المثاليات القديمة، والنظريةَ النسبيةَ محل الإيمان القديم بالمطلق.>>7
جـ- الدور الذي لعبته البرجوازية الألمانية في التبشير بـ "الدراما الواقعية" التي تعبر عن حاجة المجتمع الجديد إلى أسلوب مسرحي بديل يلبي حاجاته الجمالية. ويُعْتَبر فريديريشهيبلF. Hebbel(1813-1863) رائدَ الدراما الواقعيةِ في المسرح الحديث. فقد رفض المسرح الكلاسيكي برُمَّتِه، وقال إنه استقى مسرحيته "مريم المجدلية" (1843) من الحياة الواقعية، شخصيتُها الرئيسةُ أنطون النجار.
د- <<أن الفرد في العالم القديم (كما هو في الدراما الكلاسيكية) يقع ضحيةً للقدر أو للنظام
المُحكم من القيم الثابتة والدائمة. وفي العالم الحديث فإنه يقع (كما هو أيضا في الدراما الحديثة) ضحية للفكرة Idea. ويقصد هيبل هنا باصطلاح "الفكرة" مجموعةً من المؤسسات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي تحكم المجتمع. وعلى ذلك، فإن عَصَبَ الدراما الحديثة، في رأيه، هو وقوعُ الفرد ضحيةً لهذه المؤسسات. وهذا بالضبط ما يحدث للنجار أنطون وابنته كلارا في مسرحية "مريم المجدلية". وإلى جانب ذلك، فالصراع الدرامي في هذه المسرحية يدور بين الإنسان الصغير الذي يرفعه هيبل لأول مرة إلى مصاف الأبطال التراجيديين، وبين المجتمع الذي يمثل هنا البطل المضاد Antagonist. وبذلك يضع هيبل القضية الاجتماعية في مكان المركز من الدراما الحديثة.>>8
3- الواقعية باعتبارها فعل تمرّد على النّمط الكلاسيكي:
<<ومعلوم أن تيار الواقعية ظهر أول مرة في مجال الفنون التشكيلية سنة 1855. ويقترن ظهوره بالتشكيلي الفرنسي جوستاف كوربيت Gustave Courbet (1813-1883) الذي اتخذ من أزقة باريس البئيسة المهمشةِ موضوعاً للوحاته، وجعل من المظاهر القبيحة مادةً لأعماله. وفي تصوره فإن مَهمّة الفن لا بد أن تعكس الحقيقة، التي ليست سوى الواقع الذي نحياه ونراه. ودعوة جوستاف كوربيت جاءت كرد فعل ضد موقف الأكاديمية الفرنسية التي رفضت أعمالَه الفنيةَ على أساس أنها لا تلتزم بالنموذج الكلاسيكي في فن التصوير. فقرر رفعَ التحدي، وأقام معرضاً دائما أسماه "الواقعي" وكان في ذلك ثورةٌ على النمط الكلاسيكي، وتأسيسٌ لمذهب الواقعية في الفنون والأدب. وكانت أفكار الفيلسوف الفوضوي بيير جوزيف برودونPierre Joseph Proudhon (1809-1865) الذي يرى في الفن أداةً للتقدم الاجتماعي، وقوةً تربويةً قد ألهمت الفنان جوستاف كوربيت، وشجعته على أن يعرض أعماله في ظل شعار كان إبّانئذ جريئا، بل ثوريا وهو شعار الواقعية.وقد صاغ تصوره للواقعية بقوله: "كان هدفي أن أحصل على المعرفة التي تمكنني من الفعل.. أن أكون في وضع يسمح لي بأن أترجم وأصور الواقع في عصري كما ينطبع على وجداني.. ألا أكونَ مجردَ رسام وإنما أيضا إنسان.. وباختصار أن أمارس فنا حيا. هذا هو هدفي>>9
<<وعلى الرغم من أن الواقعية Réalisme في المسرح لم تُعَمّر كثيراً، فذلك لم يقلل من تأثيرها البالغ في بلورة رؤية نقدية ونظرية ساهمت في ترسيخ ما بات يصطلح عليه بـ الدراما الواقعية كنقيض لـ الدراما الكلاسيكية الجديدة، مما مهد لمسرح الطليعة برائدها ألفريد جاري Alfred jarry (1873-1907) الذي ألف سلسلة من المسرحيات أولها "أبو ملكا Ubu Roi، طرح من خلالها تصوراً جديداً للنص/ العرض يتمثل في كون <<الأحداث عادية، والمشاهد مبتذلة، والألفاظ نابية؛ علماً بأن الأعرافَ المسرحيةَ التقليديةَ السائدةَ تَحْظُرُ التجاوزاتِ اللفظيةَ، وأن الحدث المسرحيَ يكون مقروناً على الدوام بالأفعال النبيلة التي تستوجب بالضرورة تعابيرَ لائقةً.>>10 كان العرض الأول لمسرحية "أبو ملكاً" يوم 10 دجنبر 1896 بمثابة إعلانٍ بميلاد مسرح جديد لا يُبدي موقفاً من موضوع معين، أو يستعرضُ تصوراً لقضية ما كما هو شأن المسرح السائد، بله، إنه تَعَمّد خلخلةَ مفهومِ العرضِ لدى المشاهد من خلال تقديمه مُفرغاً من أي مضمون جاد، لإظهار عبثية الأحداث اعتماداً على حوار هزلي وساخر. أما الأداءُ فقد كان الممثلون يستعملون في تواصلهم لغة الإشارة والإيماءة والتعابير التي تكاد تكون مفهومة من طرف أي كان، بدلا من اللغة المنطوقة إلا عند الضرورة.>>11وهو ما عبر عنه أندريه بروتون André Breton (1896-1966) بالقول: <<إنها أكبرُ مسرحيةٍ نبوئيةٍ ثأريةٍ في العصور الحديثة.>> وهذا ليونارد برونكو في كتابه "المسرح التجريبي في فرنسا" يؤكد أن ألفريد جاري هو الذي أسس المسرح الطليعي، وهو القائل: <<لقد أَسَّس المسرحَ الطليعيَ في عملٍ يعبر عن ثورته المزدوجة: ضد المجتمع، وضد الأشكال الفنية القائمة.>>12
- هنا نتساءل: أ يتعلق الأمر بالتأسيس لشعرية جديدة في المسرح الغربي.؟
إن الغاية تتحدد أساساً في تتخطى المعادلةِ الأرسطيةِ المتمثلةِ في اقتران الحدث بالقدر والآلهة.وبكون الشخصية المسرحية من أنصاف الآلهة في التراجيديا في مقابل شخصية محتالة من أراذل الناس في الكوميديا من جهة. ومن التحرر من جهة ثانية من سحر الكلمة، وسلطة النص الأدبي الذي ساد وميّز المسرح الكلاسيكي عموماً والفرنسي على الخصوص؛ حيث <<إن الممثل الفرنسي لا يتكلم فوق الخشبة كما يفعل في حياته اليومية؛ بل كما لو أنه في جمع عام، أو في محكمة يحاول البحث عن وسائلَ للتأثير على المستمع، انطلاقاً من إلقائه المشفر الذي يقترب من الغناء.؟>>13
ذات المنحى تبنته الرومانسية التي سارت في اتجاه التخلص من "المسرحي" بحثا عن "الفرجوي"بريادة فيكتور هوجو Victor Hugo (1802-1885) الذي أعلن <<تمرده ضد وحدتي الزمن والمكان، وضد الفصل بين الأجناس. كما أعلن تمسكه باختلاط السامي Le sublisme والغروتيسكLe Grotesque لإدراك جوهر الحقيقة في المسرح.>>14
إن الأمر يتعلق بتحولات نجملها في العناصر التالية:
أ- خلخلة مبدأ المحاكاة السائدة في المسرح الكلاسيكي الغربي باللجوء إلى التجريد والرمز.
بـ- <<إبراز الخدع المسرحية الاصطناعية من خلال تدخل التقنيين فوق الخشبة.>>15
جـ- اعتماد التنافر واللاتسلسل في مكونات المشهد الواحد ممّا ينتفي معه مبدأ السببية.
د- اللجوء إلى الفوضى الخلاقة المتمثلة في الارتجال التي تثير لذة التحفيز لدى المتلقي.
هـ- تأكيد النزوع التفاعلي بين الممثل والمشاهد، وفي ذلك تكمن تجلياتُ"الأدائية".
و- اعتبار الفرجة المسرحية فعلاً باعثاً على التخييل، مما يسقط الإيهام باعتبار العرض "خدعةً فنيةً" متواطأٌ عليها.
4- مسرح الشارع:الماهية
الشارع بالمعنى الاعتيادي مسلك لعبور الراجلين ووصولهم إلى غاياتهم، يجد فيه المارة ما يلبي حاجاتهم.ويحتل فيه الروتين اليومي الحيز الزمني الأكبركارتياد مقهى، أو اقتناء جريدة، أو حضور نشاط ثقافي أو تجمع حزبي...خاضع للثقافة الاستهلاكية، ولهيمنة إيديولوجية الطبقة الحاكمة. أمابالمعنى الاصطلاحي، فيراد به ساحةٌ/بنايةٌ/معلمةٌ غنيةٌ بدلالاتها الرمزية، تحيل على تاريخ، ثقافة، حدث فني، شخصية اعتبارية... وهو فضاءٌ أيضا لأشكال التسكع الأدائي المستفز للثقافة السائدة، ووسيلةٌ ناجعةٌ لإعادة تملّك المدينة من لدن بعض فناني الأداء الثوريين، وتحريرِها من اقتصاد السوق. بهذا المعنى فالأمر يتعلق بإيديولوجية مضادة لما هو سائد. ويعتبر "فن الهابنينغ" في الولايات المتحدة مسرحَ شارع بامتياز. فقد انبعث في ستينيات القرن الماضي من رحم المدينة مُحْدِثاً ارتباكاً في التقاليد القائمة، رافضاًتشيئَ الفن. لهذا كانت فرجاته تحتل الشوارعَ،مُزيحةً بذلك القطيعةَ بين الفن والحياة من خلال إرباك الإدراك الآلي للمحيط من لدن المارة الذين يتحولون فجأةً إلى جمهور فرجة ما.
إنه ممارسةٌجديدةٌفي شكلها الفني، ومقومِها المعرفي، ومبررِها الإيديولوجي. ويمكن اعتبارُه صرخةً ضد الفردانية التي تلغي الآخر، ولا تمنح فرصة الكلام.. صرخةٌ ضد تقلص مساحات التلقي، وتضييقِ الخناق على فضاءات الفرجة التي تتيح فرصةَ التواصل، انتفاضةٌ من أجل أنسنة العلاقات بين الأفراد.إنه مسرح تفاعلي- جدلي على أساس أن المتفرج يتحوّل إلى طرفٍ معني بالعرض وفاعلٍ فيه. وبمعنًى من المعاني، فنحن بصدد ممثل مؤدّي في مقابل ممثل متلقّي، وبصدد عرض مسرحي يتغذى أساساً من شرط التفاعل الديالكتيكي مع حشود المتفرجين.
تنهض استراتيجية مسرحِ الشارع إلى مقوّمين اثنين:
- مقوّم أوّل: يتحدد في تخطّى "مسرح التسلية" إلى "مسرح التوعية"،وفي صناعةِ فرجة ترتقي بالمتعة البصرية إلى مستوى الأدائية الجمالية.
- مقوّم ثان: يتمثل في استثمار الفاعلية الذهنية للمتفرج في العرض بتحويلها إلى فاعلية احتجاجية قادرة على التفاعل مع قضايا المجتمع، والانخراطِ الإيجابي في اقتراح أفكار، والإسهامِ بالبحث عن حلول. وتلك هي وظيفة مسرح الشارع التي تجعل من المتفرج فرداً مالكاً لزمام إرادته، قادراً على تخطي الواقع المعيش مثلما تخطاه في المتخيل المسرحي.
5- الشكل الفرجوي في مسرح الشارع الخصوصية:
يندرج مسرح الشارع ضمن ممارسات فنون الفرجات المفتوحة والمُستقطِبة لمختلف الشرائح الاجتماعية أملاً في ضمان تقبلها، وسعياً إلى إشراكها في عروضه باعتباره مسرحاً جدلياً لا يبتغي تسليةً، ولا يروم ترفيهاً؛ وإنما بسطَ القضايا، وإثارةَ التساؤلات، وطرحَ السؤال. وعلى الرغم من الخلفية الإيديولوجية التي يستند إليها باعتباره مسرحاً ملتزما؛ فإن الخصوصية الفرجوية تقتضي بالضرورة تمرير الخطاب من خلال لَعْباتٍScènes محفزةٍ تتسم بالسمات التالية:
أ- تلبية الذوق الجمالي لدى المتلقي، والاستجابةُ لحالاته اللاشعورية المتمثلةِ في التعبير الصريح عن المسكوت عنه.
بـ- مراعاة الرغبة في الإمتاع، فالمسرح يسمو على التقريرية، ويعلو على المباشرة.
جـ- الارتقاء بالفرجة إلى مستوى الأدائية، بحيث تكون مؤثرةً وقادرةً على خلخلة شروط الإدراك الآلي للمحيط.
د- بناء حبكة مقنعة ذات بداية مشوقة لتحقيق الجاذبية، ومتوالياتٍ شادّةٍ للأنظار ومحفزةٍ على السؤال.
هـ- أن المؤدي والمتفرج لا يكرران نفسيهما. فالأول يعيش مع كل عرض تجربة جديدة باختلاف المكان والزمان والمتفرجين. وبذلك فهولا يؤدي مرتين. أما الثاني فقد افتعل مناظرة تخييلية بين طرحين متضادين تنتهي البحث عن جواب/تركيب، لا يلبث أن يتحول إلى سؤال ضمن سلسلة لا تنتهي.
و- ولعل أهم ما يسم مسرح الشارع اقتحامُه من غير سابق إنذار الأنشطةَ اليوميةَ المعتادةَ. إنه يربك الانتظارات، ويخلخل الروتين اليومي، كأن يُحَوِّلَ الأماكنَ التجاريةَ العاديةَ أو أماكنَ الاسترخاء مثل الميادينِ العموميةِ ومواقفِ السيارات والحدائقِ العامة إلى أماكنَ فنيةٍ. وبذلك فهو يسعى إلى إعادة تشكيل راهنية المشهد المسرحي، وتحريرِه من سطوةِ إغراءات الاستهلاك، والتشكيك فيما بات مُسلَّماً. وهنا تتبدّى إيديولوجيةُ أشكالِ التّسكع الأدائي، موضوعُه فرجاتٌ احتجاجية في مواجهة مكشوفةٍ، ومضادةٍ للإيديولوجية السائدة، المتمثلة في هيمنة ثقافة اقتصاد السوق.
6- الخصوصيةالفنية في مسرح الشارع:
ترتقي الخصوصية الفنية في مسرح الشارع إلى مستوى اعتبارها من بين الشعريات المسرحية التي أغنت المسرح الغربي، وأتاحت الفرصة للمسرحيين كُتاباً ومخرجين<< لبلورة مادتِه الأدبيةِ والركحية بطرق شتى، أي انطلاقاً من نظريات وممارسات تطرح وجهةَ نظرهم حول النص والعرض والممثل والمتلقي؛ مما يجعل المسرحَ يغدو ميداناً للتجريب، وبؤرةً للتفاعل والتأثر والتأثير، ينبذ الثالوث المقدس لأرسطو، ويرفض معمارية الخشبة على الطريقة الإيطالية للعمل على تفجير فضاءاته وتنويع أساليبه>>16
أ- الكتابة الدرامية: إن النص الدرامي المعدَّ سلفاً لا يعدو أن يكون مجرد منطلق يخضع فيه الممثلون لتداريبَ وتمارينَ شاقةٍ على التحرر من النص عند الضرورة واللجوء إليهعند الاقتضاء. فقد يجد الممثل نفسه مجبراً على تأدية وصلة عبارةٍ عن محاكاة طريفة سريعة الوتيرة، أو القيامِ بتعابيرَ جسديةٍ كارتداء أقنعة، أو تغييرِ ملابس تضفي حالةً من ترقب للاّمألوف. وفي ذلك إثارة ٌ ذهنيةٌ للمتفرج تكون بمثابة مدخل إلى جوّ المشهد المفترض.
بـ- السينوغرافيا: السينوغرافيا في مسرح الشارع تتركز أكثر في <<الجسد/الفرجة الذي يتناقض مع "الجَسَدَوِيَّة" الحاضرة بقوة في سلوكاتنا اليومية؛ حيث إن الإعلاناتِ والصورَ والمجلاتِ والسينما تعرض الجسد/الموضوع حساسا وشهوانيا.>>17وعلى عكس المسرح التقليدي حيث يتم إخضاعُ القاعة لمقتضيات العرض؛ فإن فضاءات الأداء المفتوح تتكيف لشروط العرض المفتقر أصلا إلى الأثاث، والمعتمدِ أساساً على الحكاية واللعب استناداً إلى الأنساق البصرية المتمثلة في التعبير الجسدي. لذلك، سعى المخرجون في مسرح الشارع إلى إعادة الاعتبار للفرجة من خلال مسرحة الجسد، على أساس <<أنه إذا كان الاحتفال هو أصل المسرح فلأنه اعتمد حركاتِ الجسد وطاقتَه للتعبير عن كينونة الإنسان وعن شعوره أو لاشعوره. لهذا أدرك "باختين" BAKHTINE أهميةَ الاحتفال في شكله الكرنفالي، حيث اعتبره "الشكلَ الأول والدائمَ للحضارة الإنسانية يستوعبُ جوهرَ الثقافة الشعبية، وكما أدرك "جان دوفينيو" J. DUVIGNAUD ما يقوم عليه من بعد مسرحي باعتباره كما يقول: "دراما يموت فيها كل ما هو ساكن ولحظي، دراما تبحث عن الحقيقة في الجسد.>>18وهي عملية ثورية في حد ذاتها، لأن << وظيفة المخرج ارتقت من مجرد ابتداع تقنيات جديدة على مستوى السينوغرافيا إلى التركيز أكثر على التواصل، لأنه لا يشتغل فقط حول معطيات موجودة قبلاً، وثابتة إلى حد كبير (النص والممثلون...)، وإنما يتوجه أيضا إلى جمهور معين ومحدود: جمهورُ مسرحه.>>19
جـ- الارتجال: ضرورة من الضروراتالملحة في مسرح الشارع. فقد يضطر الممثل إلى إشراك متفرج في مشهد أو لوحة في العرض، أو لسبب طارئ يبغي من ورائه لفت انتباه أكبر، أوالسيطرةِ على جمهور المتفرجين بمختلف أعمارهم وشرائحهم الاجتماعية لضمان بقائهم إلى حين تبليغ الرسالة كاملة. ولعل أخطرَ ما في مسرح الشارع هو دخول الممثل/الممثلون في حوار مع المتفرجين لحاجة تقتضيها الحبكة الدرامية في أثناء العرض. وهنا تبرز مدى موهبة الممثل في البناء فوق ما يقوله المتفرج من جهة، ومدى تمكنه من السيطرة على المشهد المرتجل من دون أن تتأثر حرارةُ الإيقاع الدرامي حفاظاً على تماسك البناء، واتقاءً من جفاف المناظرة بين طرفي العرض.
د- الحيز الزمني للعرض: الزمن في العرض المسرحي بمثابة شريان دافق يمنح البناءَ الدراميَنبْضَ حياةٍ تتجاوز وحدةَ الزمان كما صاغها أرسطو طاليس ضمن الوحدات الثلاث. إنه زمن نفسي تتداخل فيه أزمنة اللاشعور بزمن العرض المرئي الذي يحيل على أزمنة ذهنية تتخطى الحاضر إلى الماضي، وتخترقه إلى المحتمل. بهذا المعنى فالزمن في المسرح عبارة عن أزمنة متشابكة لا يستطيع ضبطَ إيقاعها إلا الخاصيةُ الدرامية. فهي القادرةُ وحدها على احتواء سيولته في إطار بناء درامي متماسك فنيا.
وإذا كانت سمة مسرح الشارع هو التكثيفُ، الاختزالُ؛ فإن تجلياتِ ذلك يتبدّى فى توظيف الرمز ليُحيل على زمن ما في لحظة ما من لحظات العرض. وهنا يتجلى البعدُ الجمالي للزمن في نسق البناء الدرامي.وقد تشغلمدة العرض جيزاً زمنياً أكبر لظروف تتعلق بنوعية حدث ما، أو إحياءً لذكرى معينة... وهنا تبرز احترافية الممثل/الممثلين، ومدى تملُّكِهم لمدلول الزمن في التخييل المسرحي.
هـ- الجمهور: أهم خصوصيات مسرح الشارع هو نوعية الجمهور. فهو غير متجانس من حيث الأعمار، والشرائح الاجتماعية، والانتماءات الثقافية.غير أن تواجدهم باعتبارهم متلقين يفترض تقاسمَهم مستوًى معيناً من الذوق، والحس الجمالي. وحتى وإن كانت درجةُ الإدراك لأبعاد العرض متباينةً- وهو واردٌ بالضرورة في كل عرض-، <<لأن كل متفرج يدرك بطريقة مغايرة انطلاقا من اختيار خاص. وهذا ما يؤكد لنا أنه لا يستطيع فهمَ النتاجِ في شموليته، ولا الوقوفَعلى بنية أو نظام يُطمئنُه كما هو الشأن في المسرح الدرامي، لأنه يجد نفسه دوماً أمام روابطَ متنافرةٍ تحولُ دون بروزِ "الخلاصة"؛ مما يعني أن التواصل مع الجمهور يتم عبر "حس متزامن" synesthésieما دام الفضاء موزعاً بين الممثلين والمتفرجين من خلال حضور عادل ومتبادل.>>20
و- المكان المسرحي: للمكان أهمية كبرى في حياة الإنسان. بل إنهوية الفرد الواحد والجماعات البشرية لا تُستكمل إلا بالمكان. وقد ارتبط الفعل المسرحي بالمكان، وبخصوصيته البيئية،ارتباطاً تتبدّى تجلياتُه في النظرية الدرامية التي تتأسس على المحاكاة كما نظّر لها أرسطو طاليس. محاكاةُ المحيطِ البيئي، أو محاكاةِ المكان أو الأمكنةِ المتخيلةِ. وحين نتحدثُ عن المكان المسرحي فإننا نقصد مكانَ العرض، سواء أكان البنايةَ المسرحيةَ، أمأيَّمكانٍ الذي يمكن تحويلُه إلى فضاء مشهدي.فقد بدأ المسرح شعيرةً دينية في معبد، وتحول إلى عربة متنقلة في زمن الممثل الأول في التاريخ ثيسبس، وانتقل إلى المسارح الكبرى في الهواء الطلق، ثم إلى المسارح المشيدة عند الرومان، ومن بعدُإلى الكنائس في العصور الوسطى، لينتهيَفي العلبة الإيطالية المغلقة.وعادإلى سيرته الأولى،وتحولَ الحلمُ إلى حقيقةٍ<<بتأسيس المسرح الشعبي سنة 1899 كما ورد في دورية نشرتها مجلة الفن الدرامي التي كانت تعتزم عقدَ مؤتمرٍ للمسرح الشعبي: "من أجل سلامةِ الفن يجب أن تُشرع له أبواب الحياة. يجب أن يُقبل فيه جميعُ الناس. ويجب أخيراً إعطاءُ الكلمة للشعوب، وتأسيسُ مسرح لكل الناس، حيث يُبذل جُهدُ الجميعمن أجل إسعاد الناس". وفي نفس السياق نادى رومان رولاند سنة 1903 بقوله: "لستُ في حاجة من أجل مسرح الشعب سوى لقاعة واسعة أو لميدان كقاعة Huyghens، أو لمكان الاجتماعات العمومية Wagram.>>21 كل هذه التحولات في بنية المكان المسرحي كانت بمثابة محاولات تجريبية، ومثلت اقتراحاتٍ تنظيريةً. وفي هذا الصدد يندرج تصور مسرح الشارع للمكان المسرحي في العناصر التالية:
أ- حرية أكبر للممثل من أجل تواصل أبلغ.
بـ- إعادة الاعتبار للتعبير الجسدي باعتباره قطبَ العرض.
جـ- مشاهدةٌ تحقق المتعةَ البصرية والإشباعَ الجمالي.
د- استعادة المسرحلبعده الشعبي.
هـ- تأسيس علاقة مباشرة بين بين طرفي المناظرة باعتبارهما ممثليْن.
و- أن يكون بمستطاع المكان المسرحي أن يستوعب حشود المتفرجين.
7- مسرح الشارع ثورة في الشكل، عودة إلى الأصل
إنها عودة إلى الجذور، إلى الأصول الأولى للطقوس المسرحية التي كانت تُمارس في الفضاءات العامة والميادين المفتوحة، لأن الفعل المسرحي بحكم طبيعته يقوم على الإرسال والتلقي في ذات الآن بين الممثل والمتفرج. ويشهد تاريخُ المسرح، والنظرياتُ المسرحيةُ أن المسرح لا يحيا وينمو إلا في أحضان الجمهور. وهو ما يفسر السعيَ الدائمَ للمسرح إلى حيث الجمهورُ وليس العكس. لذلك جاء مسرح الشارع ليُعيدَ النظر في مفهوم "العُلبة" الذي دجَّن الممارسة المسرحيةحيناً من الدهر في المكان المغلق: "الركح"، المفصولِ عن الجمهور بحاجز مصطنع: "الجدار الرابع". وهو ما يدعونا إلى الإقرار بأن مسرح الشارع يمثل ثورةً في الشكل، وتحوّلاً في العرض.
- ولكن، هل كل ما يعرض في الفضاءات العامة يعتبر مسرحَ شارع.؟
نطرح هذا السؤال لتَمَيُّزِ العرض المسرحي المفتوح عن باقي الأنشطة الثقافية ذات الخصوصية الفرجوية، ولتحديد المقصودِ بهذه الفرجة المفتوحة، القابلة للعرض في أي مكان مُشرع، وأمام جمهور ليس بالضرورة أن يكون معلوماً. إن محاولة الإجابة تحتم من الناحية المنهجية طرح سؤالين نموذجين من ضمن جملة منها:
- لقد اقترن المسرح المغربي منذ نشأته الأولى بالأمكنة المفتوحة والفضاءات العمومية الغير المعدة أصلاً للعرض. وما الحلقة والبساط - على سبيل المثال لا الحصر- سوى مثالين حَيَّيْنِ شاهديْنِ على تجذر الفرجة الأدائية في الأوساط الشعبية التواقة إلى التخييل باعتبارهامحفِّزاَ ذهنياً ومتنفَّساً جمالياً، وتعبيراً كاشفاَ وصريحاً عن المسكوت عنه. وهذه الفرجات الشعبية هي التي عبر عنها الدكتور حسن المنيعي بـ "الأشكال ما قبل المسرحية"، التي تتسم فيها اللَّعْبَةُ la scène بكونها أقرب إلى الأداء منه إلى المسرح.
فهل يجوز إدراج هذين الشكلين الفرجويين في إطار مسرح الشارع.؟
- دأبـت فرقة مسرح الشامات في مدينة مكناس على تنظيم مهرجان سنوي تحت مسمى "مسرح الحارات"، وهي عروض جوالة في مختلف الأرجاء الهامشية للمدينة، قد بلغ هذه السنة دورته الثانية عشرة مما يدل على نجاحه في رهانه المتمثل في نقل المسرح إلى الأحياء المصنفة فقيرةٌ ثقافيا. واللافت في العملية أن العروض تستقطب باستمرار جمهوراً عريضا تأكد أنه لا يكتفى بمجرد الاستمتاع بالفرجةالتي تتكرر كل سنة، بل انجذب إلى الممارسة العملية باعتبارها نشاطا ممنهجاً
- في أي صنف من المسرح يمكن إدراج هذا المسرح إذا لم يكن مسرح الشارع.؟
إنه مسرح الأمكنة الأخرى، على اعتبار <<أن المسرح هو المكان الذي يتعين فيه على المشاهد أن يعرض (التطهر والتماهي)، حينها تحصل عنده حالة من النضج، ويصبح المسرحُ الحيزُ الداخلي امتداداً للذات في تفاعلاتها. ولكي يكون هناك مسرح ينبغي وجود عملية تبدأ بالتماهي والتطهر ،الاستمتاع الحقيقي بالأثر الشعري الذي ينبثق من تحرير أنفسنا من حالات التوتر، فنكتشف في الشخصية شيئا مكبوتاً من ذواتنا، وربما الحقيقةَ التي يضعها المبدع لنا لكي نستمتع بها، انطلاقا من لحظتها بخيالنا الخاص دونما لوم أو خجل. وهذا الذي يقود إلى هذا النجاح بشكل أساسي.>>22
إننا بصدد تجويز لفرضية " نظرية مسرح الأمكنة". إن الأمر في هذه الحالة يتعلق بـشقين اثنين:
شق أوّل: يتعلق بإعجاب يقود إلى الافتراض، نشاط ذهني تجريدي، يروم تفجير مفاهيم، ونحت مصطلحات انطلاقا من ملاحظات، وفرضيات، وتراكمات وتجارب في النقد والمتابعة المنتظمة يترتب عنها تصوراتوطروحات ذات أفق جمالي.
شق ثان: البحث عن معادل موضوعي للإبداع على أرض الواقع، يكون مدخلا إلى التنظير لمسرح الأمكنة. وهذا يستلزم بحثاً مستقلاً.
هـــوامـش:
- فسيفولد مايرخولد،في الفن المسرحي- الكتاب الأول (مجموعة مقالات)، ترجمة شريف شاكر، دار الفارابي– بيروت، ط1-1979، ص8
- نفسه، ص8
- نفسه، ص11
- نفسه، ص10
- نفسه، ص11
- د. سمير سرحان، دراسات في الأدب المسرحي، مكتبة غريب- الفجالة القاهرة،(1977)، ص57 (النظرية النقدية في المسرح الغربي)ص113.
- سمير سرحان، دراسات في الأدب المسرحي، مكتبة غريب- الفجالة القاهرة، 1977، ص57
- نفسه، ص57
- د. عبد الرحمن بن إبراهيم، النظرية النقدية في المسرح الغربي، دار أفريقيا الشرق-الدار البيضاء، ط1-2017، ص115
- نفسه، ص 121
- نفسه، ص 123
- د. حمادة إبراهيم، المسرح المعاصر من المعارضة إلى الإبداع، دار الفكر العربي-القاهرة، 1988، ص59
- د. حسن المنيعي، حركية الفرجة في المسرح (الواقع والتطلعات)، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة- سلسلة رقم 26، ط1-2014، ص85
- نفسه، ص85 86
- نفسه،، ص88
- 16 د. حسن المنيعي، قراءة في مسارات المسرح المغربي، مطبعة سيندي- مكناس، ط1-2003، ص27
- د. حسن المنيعي، الجسد في المسرح، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، سلسلة دراسات الفرجة 10، مطبعة ألطو بريس للطباعة والنشر-طنجة (المغرب)، ط2-2010، ص9
- نفسه ص13
- د. حسن المنيعي، الجسد في المسرح إعداد وترجمة، مطبعة سيندي—مكناس، ط1-1996، ص79
- د. حسن المنيعي، حركية الفرجة في المسرح (الواقع والتطلعات)، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة- سلسلة رقم 26، ط1-2014، ص45
- سعيد كفايتي، إبراهيم عمري، عبد الله زروال، مصطفي ادزيري وعائشة التازي، المكان المسرحي- تحولات معمارية وسينوغرافية (من العصر اليوناني إلى القرن العشرين) إعداد وترجمة، مطبعة سيندي-مكناس، بدون سنة الإصدار ورقم الطبعة، ص 121 122
- Patrice Pavis, Dictionnaire du théâtre, Editions sociales, Paris 1987, P148