"حَشَرَةُ الْقُلّاس"

عَبثيّةُ الحرب وعَجائِبيةُ الوباء وكاريكاتورية الْواقع

 

(الجزء الثالث)

 

                                           تأليف: كريم الفحل الشرقاوي 

                                           بقلم: د.عبد الرحمن بن إبرهيم

 

يتحدد مفهوم العجائبي في كونه خطاب يتصادم فيه مستويان اثنان:

مستوى أول: الشكل الدرامي الغرائبي يكون صادمًا من حيث الأنساق السمعية والبصرية. وتبعًا لذلك، فالمَشاهِد يكون المشاهد في وضع المنزلة بين المنزلتين: منزلة الواقع الذي يتموقع فيه وينطلق منه، ومنزلة ما فوق الواقع، الذي يتلقاه في إطار حبكة غامضة وبلا معالم تذكر.

مستوى ثان: يحصل انسجام وتناغم تامان مع متخيل المتلقي لأنه يدغدغ عوالم التهيئات والتصورات القابعة في أعماق الشعور، بحيث يتم تأويلها في إطار المستويين العقلاني واللاعقلاني، الموضوعي والذاتي؛ مما يوقع القارئَ للنص والمشاهدَ للعرض في حالة تعارض وتضاد حادين. إن العجائبية تعيد للمرء حس الدهشة الذي يكتشف به الطفل الحقائق لأول مرة.

"حَشَرَةُ الْقُلّاس"

عَبثيّةُ الحرب وعَجائِبيةُ الوباء وكاريكاتورية الْواقع

 

(الجزء الثاني) 

                                           تأليف: كريم الفحل الشرقاوي 

                                           بقلم: د.عبد الرحمن بن إبرهيم

 

 

يتحدد فضاء "حشرة القلّاس" فيما بين زمنين:

  • زمن حرب عبثية مجهولة العوالم وضعت أوزارها لتَوِّها، لكن تداعياتها ماتزال مؤثرة

<<الحفيد المجند: أفكر في تنظيم عرض أزياء رجالي باذخ وصارخ وفاضح.. سأسميه معرض الجثث المتفحمة.. سأمشي عاريا منتشيا والنار تلتهم لحمي.. ورائحة دخان شحمي المحترق تزكم أنوف الحاضرين.. أليست هذه فرجة انتحارية استعراضية صاخبة يا ... أبي.>>(22)

بـ- وزمن حرب وبائية داهمة <<في تلك الأثناء تجتاح بيت العائلة حشرة ضخمة لها ملامح دبابة.>> (23)

   من مبتدأ المسرحية إلى منتهاها، تسود حالة بياض حيث اللازمان واللامكان، واللاشخصية، لا أثر لمسميات مكانية أو زمانية، ولا أثر أيضًا لخصوصية اجتماعية أو بيئة ثقافية أو هوية فكرية. نحن بصدد نماذج بشرية فاقدة لتوازنها السيكولوجي. معطوبة في فيزيولوجيتها، مختلة في ذاكرتها في عالم افتراضي يتداخل فيه الماضي بالحاضر، ويتماهى فيه الواقع بالمتوقع إلى حد الالتباس، استحالت فيه الشخصيات الخمسة إلى كائنات غرائبية تمارس التدمير المادي للذات. في نص "حشرة القلاس" لن يكون مطلوبا من المخرج طرح تصور جديد للتمثيل، ولا هو مطالب بابتكار قواعد بديلة في تقنيات اللعب المسرحي، على أساس أن كتابة "ما بعد المسرح" ترفض أن تتخندق في إطار المذهبية، أو أن تتأطر في التصنيفات الأجناسية، كما أنها لا تعترف بالتصورات الاخراجية المؤثرة. إنها لا تقر بأية مرجعية خارجة عن مرجعيتها الذاتية. وهو ما يقود بالضرورة إلى:

 

"حَشَرَةُ الْقُلّاس"

عَبثيّةُ الحرب وعَجائِبيةُ الوباء وكاريكاتورية الْواقع

 

(الجزء الأول)

تأليف: كــريم الفحل الشرقاوي

بقلم: د. عبد الرحمن بن إبراهيم

 

 

  • مسرح "ما بعد الدراما" بدلالة "ما بعد الواقع"

    فنون الأداء المعاصرة قلصت من تأثير المسرح الدرامي الكلاسيكي من خلال الحد من تأثير النص لفائدة الممارسة الركحية، ومارست عليه تضييقًا بفعل التجريب المسرحي على مستويات النص والعرض والتلقي انتهى بتدميره واندثار النظرية الدرامية. وهو التدمير والاندثار الذاتيان اللذان تمارسهما فنون الأداء على نفسها، وعلى الدعامات الكبرى للمسرح المتمثلة في الثوابت الاستراتيجية (القوالب المسرحية، النظريات المسرحية، الصراع الدرامي، الحبكة الأرسطية...) استنادًا إلى مبدأ ما بعد الحداثة. فالمعلوم أن دلالة "ما بعد" <<التي تعني في ظاهرها التجاوز والقطيعة والرفض والإلغاء ليست جديدة؛ بدليل أن أرسطو طاليس استعملها في مؤلفه "ما بعد الطبيعة".>>(1) إن الأمر يتعلق بالتبشير بفرجة أدائية جديدة تتجاوز دراما الواقع أو الدراما/الواقع المؤطرة في بنية معرفية وجمالية متجاوَزة ومتهالكة، انسجامًا مع موجة الأدائية الراهنة التي تخلصت من ثوابت الأصول الخالدة، وتخطت الحدود الفاصلة بين الهويات الثابتة.

 

قراءة في مسرحية 

 

 "وَجَعُ الْحَياة"

 

مَسْرَحٌ ساكِنٌ يُمارِسُ الاِسْتِغْراقَ الذِّهْني

  في رَصْدِ الأَفْكارِ وَفَهْمِ الرُّموز

 

     تأليف عبــد العــزيز الطيبـــــــي

1- المسرح الطليعي الدلالة والمفهوم

  كانت الإرهاصات الأولى في مطلع الستينيات من القرن الماضي مع ما يصطلح عليه بـ "المسرح الطليعي" الذي يندرج في إطاره عديد المذاهب المسرحية كالرمزية والتعبيرية والعبثية والوجودية. وعلى الرغم ممّا يميز هذا المذهب عن ذاك؛ إلا أن قاسمهم المشترك هو التشكيك في قيم الحداثة وأعرافها، وكشف زيف مرجعيتها الفلسفية وخلفيتها الأيديولوجية التي انتهت بالمجتمعات الأوربية إلى انسداد أفقها المعرفي، وانهيار مثلها العليا. وهو ما انتهى – بالنتيجة – إلى الباب المسدود الذي أشعل حربين كونيتين مدمرتين آذنتا بسقوط المشروع الحداثي. وكانت الضحية الأولى هي الإنسان الأوربي، فقد وجد نفسه في دوامة حربين لم تبقيا ولم تذرا معنًى لآدميته التي عُبِثَ بها. وكان للفلسفتين الوجودية والعبثية النصيب الأوفر في تزعُّم حملة التشكيك في القيم الفلسفية المتوارثة منذ أفلاطون مرورًا بهيجل بخصوص "ماهية الإنسان". وأعيد طرح السؤال الفلسفي المتعلق بالوجود والماهية، أيهما أسبق. بالنسبة للفلسفة الوجودية، فالوجود هو الأصل والأسبق. فالإنسان حين يولد فهو من يختار ماهيته، كأن يكون خَيِّرًا أو شرّيرًا، نبيلًا أو دنيئًا، رفيعًا أو وضيعًا. وهو المسؤول عن ماهيته التي ارتضاها لنفسه، وله الحق أن يغيرها أو يعدلها وفق ما يرتئيه. وهنا يتمثل البعد الإنساني في الفلسفة الوجودية التي تتأسس على مبدأ حرية الإنسان.

المسرح المغربي المعاصر

        قراءات في العرض والنص والنقد

بقلم: الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم

أمــــا قَــبْـل

 

  • فالأصل في المسرح هو العرض، ففي البدء كان الاحتفال، ففيه يتحدد معنى الفضاء، ويُضبط إيقاع الزمان.
  • في الاحتفال يتقاسم الناس شعورًا مشتركًا باللّذة، تتماهى فيه الأنا مع "أنا الاحتفال". "أنا الجمعي" Super Ego لا تلغي "أنا" الفرد Ego ؛ وإنما تؤطره في إطار النّحن، هنا الآن.
  • مع الأنا الأعلى يتحقق المعنى الإنساني، وتنفتح الأنا على محيطها، وتتلاشى هيمنة الأنا على الفرد، فيكون التصالح مع الذات، ومع الآخر.
  • سؤال الهُوية الثقافية والحضارية، يقود إلى البحث عن هُوية مفترضة من خلال جدلية الأنا والآخر، ومساءلة "الْهُو" الطاعن في الغموض، والرافض للآخر. ولكن في المسرح ألتقي بهذا الآخر، وأتبين أنه يسكنني، وأن هذا الذي أعتبره "آخر" يراني كذلك انطلاقًا من "أناه".

 

التنوع والتعدد باعتبارهما جوهرًا وجوديًّا مغربيا

     المسرح المغربي  واحد ومتعدّد

 

         بقلم: الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم 

1 - على سبيل البدء:

   ما ينفرد به المجتمع المغربي بالقياس إلى المجتمعات العربية المشرقية هو التنوع الثقافي والتعدد اللغوي واللهجي. تنوع وتعدد ذوا مستويين عمودي وأفقي، يؤكد فرادة الخصوصية الثقافية واللغوية في المغرب. وهو تفرد أنتجته الهويات الثقافية المتنوعة في صيرورة تاريخية حافلة جعلت أرض المغرب مقصد هجرات متوالية، وملجأ جماعات بشرية ناشدة الأمن والأمان. وقد تعاملت الدولة المغربية بتدبير يعكس مفهوم التعدد، ويحافظ على التنوع اللذين يشكلان مقومات الهوية الثقافية المغربية. وهو مفهوم يتأسّس على احترام الاختلاف الثقافي واللغوي والإثني في إطار هجين تتفاعل في بوتقته كل المكونات لتنصهر في تعاقد اجتماعي يمتح من التراث بشقيه المادي (المنتوج والتراث الثقافيان)، واللامادي (كل ما هو شفاهي موروث: عادات وتقاليد)، ويتغذّى من الانفتاح على محيطه تجاوزًا للتنميط والتحنيط، ويتفاعل مع الآخر تذويبًا للحواجز في نسيج مجتمعي <<منفتح على الهوامش المحايثة والمنسية بهدف التأكيد على الكيان المغربي المتعدد عوض كونه ثابت، واحد، خالص، وماهوي.>>[1]